الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد خلقنا الإنسان أي هذا النوع بأن خلقنا أصله وأول فرد من أفراده خلقا بديعا منطويا على خلق سائر أفراده انطواء إجماليا.

                                                                                                                                                                                                                                      من صلصال أي طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر. أخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة ونقله في الدر المصون عن أبي عبيدة ونقل عنه أبو حيان أنه قال: هو الطين المخلوط بالرمل وهو رواية عن ابن عباس ، وفي رواية أخرى عنه أنه الطين المرقق الذي يصنع منه الفخار، وفي أخرى نحو الأول، وقيل: هو من صلصل إذ أنتن تضعيف صل يقال: صل اللحم وأصل إذا أنتن وهذا النوع من المضعف مصدر يفتح أوله ويكسر كالزلزال ووزنه عند جمهور البصريين فعلال، وقال الفراء وكثير من النحويين فعفع كررت الفاء والعين ولا لام، وغلطهم في الدر المصون لأن أقل الأصول ثلاثة فاء وعين ولام، وقال بعض البصريين والكوفيين: فعفل ونسب أيضا إلى الفراء بل قيل هو المشهور عنه، وعن بعض آخر من الكوفيين أن وزنه فعل بتشديد العين والأصل صلل مثلا فلما اجتمع ثلاثة أمثال أبدل الثاني من جنس الفاء، وخص بعضهم هذا الخلاف بما إذا لم يختل المعنى بسقوط الثالث كلملم وكبكب فإنك تقول لم وكب فلو لم يصح المعنى بسقوطه نحو سمسم فلا خلاف في أصالة الجميع، وقال اليمني: ليس معنى قولهم: إن الأصل صلل أنه زيد فيه صاد بل هو رباعي كزلزل والاشتراك في أصل المعنى لا يقتضي أن يكون منه إذ الدليل دال على أن الفاء لا تزاد لكن زيادة الحرف تدل على زيادة المعنى، وذكر في البحر أن (صلصال) بمعنى مصلصل كالقضاض بمعنى المقضقض فهو مصدر بمعنى الوصف ومثله كثير. من حمإ من طين تغير واسود من مجاورة الماء ويقال للواحدة حمأة، قال الليث: بتحريك الميم ووهم في ذلك وقالوا: لا نعرف الحمأة في كلام العرب إلا ساكنة الميم وعلى هذا أبو عبيدة والأكثرون، والجار والمجرور في موضع الصفة لصلصال كما هو السنة الشائعة في الجار والمجرور بعد النكرة أي من صلصال كائن من حمإ، وقال الحوفي: هو بدل مما قبله بإعادة الجار فكأنه قيل خلقناه من حمإ مسنون [ ص: 34 ] أي مصور من سنة الوجه وهي صورته، وأنشد لذلك ابن عباس قول عمه حمزة يمدح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم:


                                                                                                                                                                                                                                      أغر كأن البدر سنة وجهه جلا الغيم عنه ضوؤه فتبددا



                                                                                                                                                                                                                                      وأنشد غيره قول ذي الرمة:


                                                                                                                                                                                                                                      تريك سنة وجه غير مقرفة     ملساء ليس بها خال ولا ندب



                                                                                                                                                                                                                                      أو مصبوب من سن الماء صبه ويقال شن بالشين أيضا أي مفرغ على هيئة الإنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذابة في القوالب، وقال قتادة ومعمر: المسنون المنتن، قيل: وهو من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فالذي يسيل بينهما سنين ولا يكون إلا منتنا، وقيل: هو من سننت الحديدة على المسن إذا غيرتها بالتحديد، وأصله الاستمرار في جهة من قولهم: هو على سنن واحد وهو صفة الحمإ، ويجوز أن يكون صفة لصلصال ولا ضير في تقدم الصفة الغير الصريحة على الصريحة، فقد قال الرضي: إذا وصفت النكرة بمفرد أو ظرف أو جملة قدم المفرد في الأغلب وليس بواجب خلافا لبعضهم، والدليل عليه قوله تعالى: وهذا ذكر مبارك أنزلناه لكنه يحتاج إلى نكتة لا سيما في كلام الله تعالى لأنه لا يعدل عن الأصل لغير مقتض، ولعل النكتة هاهنا مناسبة المقدم لما قبله في أن كلا منهما من جنس المادة، وقيل: إنما أخرت الصفة الصريحة تنبيها على أن ابتداء مسنونيته ليس في حال كونه صلصالا بل في حال كونه حمأ كأنه سبحانه أفرغ الحمأ فصور من ذلك تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صوت ثم غيره طورا بعد طور حتى نفخ فيه من روحه فتبارك الله أحسن الخالقين، وقيل: المسنون المنسوب أي نسب إليه ذريته وهو كما ترى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية