الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أن ولي الميت يقضي دينه إذا علم صحته [ ص: 63 ] عن سعد الأطول : { أن أخاه مات وترك ثلاث مائة درهم وترك عيالا ، قال : فأردت أن أنفقها على عياله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه ، فقال : يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة ، قال : فأعطها فإنها محقة } رواه أحمد وابن ماجه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عفان قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرني عبد الملك أبو جعفر عن أبي نضرة عن سعد الأطول فذكره وعبد الملك هو أبو جعفر ولا يعرف اسم أبيه وقيل : إنه ابن أبي نضرة ، وقد وثقه ابن حبان ومن عداه من رجال الإسناد فهم رجال الصحيح وأخرجه أيضا سعد وعبد بن حميد وابن قانع والبارودي والطبراني في الكبير والضياء في المحتارة ، وهو في مسند أحمد بهذا الإسناد فإنه قال : حدثنا عفان فذكره

                                                                                                                                            وفيه دليل على تقديم إخراج الدين على ما يحتاج إليه من نفقة أولاد الميت ونحوها ، ولا أعلم في ذلك خلافا وهكذا يقدم الدين على الوصية قال في الفتح : ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية إلا في صورة واحدة ، وهي ما لو أوصى لشخص بألف مثلا وصدقه الوارث ، وحكم به ، ثم ادعى آخر أن له في ذمة الميت دينا يستغرق موجوده وصدقة الوارث ، ففي وجه للشافعية أنها تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة

                                                                                                                                            وأما تقديم الوصية على الدين في قوله تعالى { : من بعد وصية يوصي بها أو دين } فقد قيل في ذلك : إن الآية ليس فيها صيغة ترتيب ، بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية ، وأتى بأو للإباحة ، وهي كقولك : جالس زيدا أو عمرا : أي لك مجالسة كل واحد منهما اجتمعا أو افترقا وإنما قدمت لمعنى اقتضى الاهتمام بتقديمها واختلف في تعيين ذلك المعنى وحاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور : أحدها : الخفة والثقل كربيعة ومضر ، فمضر أشرف من ربيعة ، لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر وهذا يرجع إلى اللفظ ثانيها : بحسب الزمان كعاد وثمود ثالثها : بحسب الطبع كثلاث ورباع رابعها : بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة ، لأن الصلاة حق البدن ، والزكاة حق المال ، فالبدن مقدم على المال خامسها : تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى { : عزيز حكيم } [ ص: 64 ] وقال بعض السلف : عز فلما عز حكم ، سادسها : بالشرف والفضل كقوله تعالى : { من النبيين والصديقين } وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على الدين لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين ، فإنه إنما يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط ، فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل

                                                                                                                                            وقال غيره : قدمت الوصية لأنها شيء يؤخذ بغير عوض ، والدين يؤخذ بعوض ، فكان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين وكان أداؤها مظنة للتفريط ، بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه ، فقدمت الوصية لذلك ، وأيضا فهي حظ فقير ومسكين غالبا ، والدين حظ غريم يطلبه بقوة وله مقال ، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن لصاحب الدين مقالا } وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحريضا على العمل بها خلاف الدين قال الزين بن المنير : تقديم الوصية في الذكر على الدين لا يقتضي تقديمها في المعنى لأنهما معا قد ذكرا في سياق البعدية ، لكن الميراث يلي الوصية ولا يلي الدين في اللفظ ، بل هو بعد بعده ، فيلزم أن الدين يقدم في الأداء باعتبار القبلية فيقدم الدين على الوصية ، وباعتبار البعدية فتقدم الوصية على الدين ا هـ . وقد أخرج أحمد والترمذي وغيرهما من طريق الحارث الأعور عن علي عليه سلام الله ورضوانه قال قضى محمد صلى الله عليه وسلم { أن الدين قبل الوصية } ، وأنتم تقرءون الوصية قبل الدين والحديث وإن كان إسناده ضعيفا لكنه معتضد بالاتفاق الذي سلف قال الترمذي : إن العمل عليه عند أهل العلم

                                                                                                                                            قوله : ( قد أديت عنه ) فيه دليل على أنه يجوز للوصي أن يستقل بنفسه في قضاء ديون الميت لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه ذلك قال في البحر : مسألة : وللوصي استيفاء ديون الميت وإيفاؤها إجماعا لنيابته عنه ا هـ قوله : ( فإنها محقة ) لعله صلى الله عليه وسلم حكم بعلمه أو بوحي




                                                                                                                                            الخدمات العلمية