الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2061 [ 1064 ] وعنه وقال لزيد بن أرقم يستذكره ، كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو حرام ؟ قال: قال: أهدي له عضو من لحم صيد فرده فقال: إنا لا نأكله إنا حرم .

                                                                                              رواه أحمد (4 \ 367 و 374 )، ومسلم (1195)، وأبو داود (1850)، والنسائي (5 \ 184) .

                                                                                              [ ص: 277 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 277 ] (6) ومن باب: ما جاء في الصيد ولحمه للمحرم

                                                                                              ( الأبواء ) - بفتح الهمزة ، والمد - : برية من عمل الفرع ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا . و ( ودان ) بفتح الواو ، وكذلك بينهما نحو ثمانية أميال بقرب من الجحفة .

                                                                                              و ( السقيا ) قرية جامعة هناك ، بينها وبين الفرع مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلا . و ( تعهن ) بفتح التاء وكسرها ، وسكون العين . وقد سمع من العرب من يقول : ( بتعهن ) فيضم التاء ، ويفتح العين ، ويكسر الهاء . وروايتنا التقييد الأول . وهي : عين ماء على ميل من ( السقيا ) بالقاف لا بالفاء ، وهو : وادي العباديد ، على ثلاثة مراحل من المدينة .

                                                                                              و ( غيقة ) بالغين معجمة مفتوحة ، وبالقاف بينهما ياء ، باثنتين من تحتها : موضع من بلاد بني غفار ، بين مكة والمدينة . وقيل : هو قليب ماء لبني ثعلبة .

                                                                                              وقوله : ( إنا لم نردده عليك ) ، المحدثون يقيدون (لم نرده) بفتح الدال المضاعفة المجزومة ، وإن كان متصلا بهاء الضمير المضمومة . وقيده المحققون : بضم الدال مراعاة للواو المتولدة عن ضمها لها ، ولم يحفلوا بالهاء لخفائها ، وكأنهم قالوا : (ردوا) ; كما فتحوها مع هاء المؤنث مراعاة للألف ، وكأنهم [ ص: 278 ] قالوا : (ردا) ، وهذا مذهب سيبويه ، وأبي علي الفارسي ، وأهل التحقيق من أهل اللسان .

                                                                                              وقوله : ( إلا أنا حرم ) بفتح (أنا) على أنه تعدى إليه الفعل بحرف التعليل .

                                                                                              ولا خلاف في تحريم الصيد على المحرم . وفي تحريم ما صيد من أجله عليه . وعلى ذلك دل قوله تعالى : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وقوله : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ورد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصعب هذا الصيد : إنما كان لأنه خاف أن يكون صاده من أجله ، ألا تراه - صلى الله عليه وسلم - كيف قبل حمار البهزي حين قال : هو لكم يا رسول الله! فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسم بين الرفاق .

                                                                                              قال أبو محمد الأصيلي : إنما قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمار البهزي ; لأنه كان مكتسبا بالصيد ، فحمله على عادته ، ورد حمار الصعب لظنه أنه صاده من أجله .

                                                                                              فإن قيل : فهذا يشكل على مذهب مالك ; إذ يحكم : بأن ما صيد لأجل محرم لا يحل أكله ، وهو ميتة عنده ، ولم ينههم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل سوغه لهم بتركه في أيديهم ، [ ص: 279 ] وإقرارهم عليه! فالجواب : إن ذلك الحكم إنما يلزم على مذهبه فيما تحقق أنه صيد لأجل المحرم ، وليس في هذا الحديث ما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع بذلك ، ولا ظنه ، وإنما امتنع من ذلك فيما يظهر ورعا ; كما قال في التمرة : (لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها) ، والله أعلم .

                                                                                              وقد أجاز غير واحد من العلماء أكل ما صاده حلال لمحرم لغير ذلك المحرم ; منهم : عثمان رضي الله عنه .

                                                                                              واختلفوا في حمار الصعب : هل أهداه للنبي - صلى الله عليه وسلم - حيا أم ميتا ؟ وقد بوب البخاري على هذا الحديث ما يدل : على أنه فهم من الحديث أنه كان حيا ، وعلى هذا الفهم يستدل به : على أن المحرم يرسل ما بيده من صيد ; لأنه لم يسوغ لنفسه ملكه لأجل الإحرام ، وفيه أبواب من أحكام الهبات لا تخفى على متأمل .

                                                                                              قلت : والروايات الأخر تدل على أنه كان ميتا ، وأنه أتاه بعضو منه . ويصح الجمع بين هذه الروايات المختلفة ; إما على القول : بأنه ميت ، فإنه جاء بالحمار ميتا فوضعه بقرب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قطع منه ذلك العضو ، فأتاه به ، فصدق اللفظان . أو يكون أطلق اسم الحمار ، وهو يريد بعضه ، وهذا سائغ ، وهو من باب التوسع والتجوز .

                                                                                              وأما إن تنزلنا على أن الحمار كان حيا ، فيكون قد أتاه به ، فلما رده عليه ، وأقره [ ص: 280 ] بيده ذكاه ، ثم أتاه منه بالعضو المذكور ، ولعل الصعب ظن أنه إنما رده عليه لمعنى يخص الحمار بجملته ، فلما جاءه بجزئه أعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد كحكم الصيد ، لا يحل للمحرم قبوله ، ولا تملكه . وإنما احتجنا إلى هذه التكلفات لنرفع الاضطراب اللازم من تلك الروايات المختلفة على طريقتنا في روم الجمع بين الروايات المختلفة ، فإنه الأحسن إذا أمكن ، والله أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية