الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب . وحفظا من كل شيطان مارد . لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب . إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إنا زينا السماء الدنيا يعني التي تلي الأرض، وهي أدنى السموات إلى الأرض بزينة الكواكب قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو عمرو ، والكسائي: "بزينة الكواكب" مضافا، أي: بحسنها وضوئها . وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: "بزينة" منونة وخفض "الكواكب" [وجعل "الكواكب"] بدلا من الزينة لأنها هي، كما تقول: مررت بأبي عبد الله زيد; [فالمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب . وقرأ أبو بكر عن عاصم: "بزينة" بالتنوين وبنصب "الكواكب"]; والمعنى: زينا السماء الدنيا بأن زينا الكواكب فيها حين ألقيناها في منازلها وجعلناها ذات نور . قال الزجاج : ويجوز أن يكون "الكواكب" في النصب بدلا من قوله: "بزينة" لأن قوله: "بزينة" في موضع نصب . وقرأ أبي بن كعب ، ومعاذ القارئ، وأبو نهيك، وأبو حصين الأسدي في آخرين: "بزينة" بالتنوين "الكواكب" برفع الباء; قال الزجاج : والمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب وبأن زينت الكواكب . وحفظا أي: وحفظناها حفظا . فأما المارد، فهو العاتي، وقد شرحنا هذا في قوله: شيطانا مريدا [النساء: 117] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لا يسمعون قال الفراء: "لا" هاهنا كقوله: كذلك [ ص: 47 ] سلكناه في قلوب المجرمين . لا يؤمنون به [الشعراء :200 ،201]; ويصلح في "لا" على هذا المعنى الجزم، فإن العرب تقول: ربطت الفرس لا ينفلت . وقال غيره: لكي لا يسمعوا إلى الملإ الأعلى، وهم الملائكة الذين في السماء . وقرأ حمزة والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف: "لا يسمعون" بتشديد السين، وأصله: يتسمعون، فأدغمت التاء في السين . وإنما قال: إلى الملإ الأعلى لأن العرب تقول: سمعت فلانا، وسمعت من فلان، وإلى فلان .

                                                                                                                                                                                                                                      ويقذفون من كل جانب بالشهب دحورا قال قتادة: أي: قذفا بالشهب . وقال ابن قتيبة : أي: طردا، يقال: دحرته دحرا ودحورا، أي: دفعته . وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو رجاء، وأبو عبد الرحمن، والضحاك ، وأيوب السختياني، وابن أبي عبلة: "دحورا بفتح الدال" .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي "الواصب" قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه الدائم، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والفراء، وابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه الموجع، قاله أبو صالح، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي زمان هذا العذاب قولان . أحدهما: أنه في الآخرة . والثاني: [أنه] في الدنيا، فهم يخرجون بالشهب ويخبلون إلى النفخة الأولى في الصور .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إلا من خطف الخطفة قرأ ابن السميفع: "خطف" بفتح الخاء وكسر الطاء وتشديدها . وقرأ أبو رجاء، والجحدري : بكسر الخاء والطاء جميعا والتخفيف . قال الزجاج : خطف وخطف، بفتح الطاء وكسرها، يقال: خطفت أخطف، وخطفت أخطف: إذا أخذت الشيء بسرعة، [ ص: 48 ] ويجوز "إلا من خطف" بفتح الخاء وتشديد الطاء، ويجوز "خطف" بكسر الخاء وفتح الطاء; والمعنى: اختطف، فأدغمت التاء في الطاء، وسقطت الألف لحركة الخاء; فمن فتح الخاء، ألقى عليها فتحة التاء التي كانت في "اختطف"، ومن كسر الخاء، فلسكونها وسكون الطاء . فأما من روى[ "خطف" ] بكسر الخاء والطاء، فلا وجه لها إلا وجها ضعيفا جدا، وهو أن يكون على إتباع الطاء كسرة الخاء . قال المفسرون: والمعنى: إلا من اختطف الكلمة من كلام الملائكة مسارقة فأتبعه أي: لحقه شهاب ثاقب قال ابن قتيبة : أي: كوكب مضيء، يقال: أثقب نارك، أي: أضئها، والثقوب: ما تذكى به النار .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية