الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2382 ) مسألة : قال : ( ولا يتزوج المحرم ، ولا يزوج ، فإن فعل ، فالنكاح باطل ) [ ص: 158 ] قوله : ( لا يتزوج ) أي لا يقبل النكاح لنفسه ، ( ولا يزوج ) أي لا يكون وليا في النكاح ولا وكيلا فيه . ولا يجوز تزويج المحرمة أيضا .

                                                                                                                                            روي ذلك عن عمر ، وابنه وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، والأوزاعي ، ومالك ، والشافعي . وأجاز ذلك كله ابن عباس . وهو قول أبي حنيفة ; لما روى ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { تزوج ميمونة وهو محرم } متفق عليه . ولأنه عقد يملك به الاستمتاع ، فلا يحرمه الإحرام ، كشراء الإماء .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى أبان بن عثمان ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ، ولا يخطب } رواه مسلم . ولأن الإحرام يحرم الطيب ، فيحرم النكاح ، كالعدة . فأما حديث ابن عباس ، فقد روى يزيد بن الأصم ، { عن ميمونة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا ، وبنى بها حلالا ، وماتت بسرف ، في الظلة التي بنى بها فيها } . رواه أبو داود ، والأثرم .

                                                                                                                                            وعن أبي رافع ، قال { : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال ، وكنت أنا الرسول بينهما } . قال الترمذي : هذا حديث حسن . وميمونة أعلم بنفسها ، وأبو رافع صاحب القصة ، وهو السفير فيها ، فهما أعلم بذلك من ابن عباس ، وأولى بالتقديم لو كان ابن عباس كبيرا ، فكيف وقد كان صغيرا لا يعرف حقائق الأمور ، ولا يقف عليها ، وقد أنكر عليه هذا القول .

                                                                                                                                            وقال سعيد بن المسيب : وهم ابن عباس ، وما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم إلا حلالا . فكيف يعمل بحديث هذا حاله ؟ ويمكن حمل قوله : ( وهو محرم ) . أي في الشهر الحرام ، أو في البلد الحرام ، كما قيل : قتلوا ابن عفان الخليفة محرما وقيل : تزوجها حلالا ، وأظهر أمر تزويجها وهو محرم . ثم لو صح الحديثان ، كان تقديم حديثنا أولى ; لأنه قول النبي صلى الله عليه وسلم وذلك فعله ، والقول آكد ; لأنه يحتمل أن يكون مختصا بما فعله . وعقد النكاح يخالف شراء الأمة ، فإنه يحرم بالعدة والردة واختلاف الدين ، وكون المنكوحة أختا له من الرضاع ، ويعتبر له شروط غير معتبرة في الشراء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية