الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وهي ركعتان ) للاتباع ( كالعيد ) أي كصلاته في الأركان وغيرها إلا فيما يأتي فيكبر بعد افتتاحه قبل التعوذ والقراءة سبعا في الأولى وخمسا في الثانية يرفع يديه ويقف بين كل تكبيرتين كآية معتدلة ، ويقرأ في الأولى جهرا بسورة ق وفي الثانية اقتربت في الأصح ، أو بسبح والغاشية قياسا ولوروده بسند ضعيف ( لكن ) تجوز زيادتها على ركعتين ، [ ص: 422 ] بخلاف العيد ، وأيضا ( قيل ) هنا إنه ( يقرأ في الثانية ) بدل اقتربت ( { إنا أرسلنا نوحا } ) لاشتمالها على الاستغفار ونزول المطر اللائقين بالحال ورده في المجموع باتفاق الأصحاب على أن الأفضل أن يقرأ فيهما ما يقرأ في العيد وينادي لها الصلاة جامعة ولما قدم أنها كالعيد ربما توهم إعطاؤها حكمه في وقته لا سيما وهو وجه دفع ذلك بقوله ( ولا تختص ) صلاة الاستسقاء ( بوقت ) ( العيد في الأصح ) بل ولا بوقت من الأوقات ، بل يجوز فعلها متى شاء ولو في وقت الكراهة على الأصح ; لأنها ذات سبب فدارت معه كصلاة الكسوف ، ومقابل الأصح تختص به ; لأنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي في العيد كما مر ، وإنما يصلي في العيد في وقت خاص ( ويخطب كالعيد ) في الأركان والشروط والسنن ، ويندب أن يجلس أول ما يصعد المنبر ، ثم يقوم فيخطب ( لكن يستغفر الله تعالى بدل التكبير ) فيقول قبل الخطبة الأولى تسعا وقبل الثانية سبعا ، والأولى أن يقول : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ; لأنه أليق بالحال ولخبر الترمذي وغيره { من قاله غفر له وإن كان فر من الزحف } ويكثر من الاستغفار حتى يكون هو أكثر دعائه ومن قوله { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } إلى { ويجعل لكم أنهارا } ( ويدعو في الخطبة الأولى ) جهرا ويقول ( اللهم ) أي يا الله ( أسقنا ) بقطع الهمزة من أسقى ( غيثا ) بمثلثة أي مطر ( مغيثا ) بضم الميم : أي منقذا من الشدة بإروائه ( هنيئا ) بالمد والهمز أي طيبا لا ينغصه شيء ( مريئا ) أي محمود العاقبة ( مريعا ) بفتح الميم وكسر الراء وبياء تحتية ويروى بضم الميم وبالموحدة ومرتعا بالمثناة فوق : أي ذا ريع : أي بماء مأخوذ من المراعة ( غدقا ) بغين معجمة ودال مهملة مفتوحة : أي كثير الماء والخير ، وقيل الذي قطره كبار ( مجللا ) بفتح الجيم وكسر اللام يجلل الأرض : أي يعمها كجل الفرس ، وقيل هو الذي يجلل الأرض بالنبات ( سحا ) بفتح السين وتشديد الحاء المهملة : أي شديد الوقع على الأرض ( طبقا ) بفتح الطاء والباء الموحدة أي مطبقا على الأرض : أي مستوعبا لها فيصير كالطبق [ ص: 423 ] عليها ( دائما ) إلى انتهاء الحاجة إليه ; لأن دوامه عذاب ( اللهم اسقنا الغيث ) تقدم شرحه ( ولا تجعلنا من القانطين ) أي الآيسين بتأخير المطر . اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك . اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع وأسكنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض . اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري ، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك ( اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء ) أي المطر ، ويجوز أن يراد به المطر مع السحاب ( علينا مدرارا ) أي درا كثيرا : أي مطرا كثيرا ( ويستقبل القبلة ) استحبابا ( بعد صدر الخطبة الثانية ) وهو نحو ثلثها كما في الدقائق ، فإن استقبل له في الأولى لم يعده في الثانية ، نقله في البحر عن نص الأم ، وإذا فرغ من الدعاء استدبرها وأقبل على الناس يحثهم على طاعة الله تعالى إلى فراغه كما في الشرحين والروضة ( ويبالغ في الدعاء ) حينئذ ( سرا وجهرا ) فيسر القوم أيضا حالة إسراره ويؤمنون على دعائه حالة جهره به قال تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } ويرفعون أيديهم في الدعاء جاعلين ظهور أكفهم إلى السماء كداع لكل رفع بلاء ومن دعا بحصول شيء عكس ذلك ، ويكره له رفع يد متنجسة ، فإن كان عليها حائل احتمل عدم الكراهة قال إمامنا رضي الله عنه : وينبغي أن يكون من دعائهم في هذه الحالة : اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة في رزقنا [ ص: 424 ] ذكره في المجموع وحذفه المصنف من المحرر اختصارا ( ويحول ) الخطيب ( رداءه عند استقباله ) القبلة تفاؤلا بتغير الحال من الشدة إلى الرخاء للاتباع وكان عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن ( فيجعل يمينه ) أي يمين ردائه ( يساره وعكسه للاتباع ) قال البيهقي : وكان طول ردائه صلى الله عليه وسلم أربعة أذرع وعرضه ذراعين وشبرا ( وينكسه ) بفتح أوله مخففا وبضمه مثقلا عند استقباله ( في الجديد فيجعل أعلاه أسفله وعكسه ) ; لأنه عليه الصلاة والسلام استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها ، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه ، فهمه بذلك يدل على استحبابه وتركه للسبب المذكور ، والقديم لا يستحب ذلك ; لأنه لم يفعله ، ومتى جعل الطرف الأسفل الذي على الأيسر على الأيمن والآخر على الأيسر حصل التنكيس والتحويل جميعا ، والخلاف في الرداء المربع أما المدور والمثلث فليس فيهما إلا التحويل قطعا وكذا الطويل ، ومراد من عبر بعدم تأتي ذلك تعسره لا تعذره ( ويحول الناس ) وينكسون وهم جلوس كما نقله الأذرعي عن بعض الأصحاب ، ويدل عليه قوله مثله فهو مساو لقول أصله ويجعل على أنه في بعض النسخ عبر بعبارة أصله ( مثله ) تبعا له للاتباع ( قلت ويترك ) بضم أوله أي رداء الخطيب والناس ( محولا حتى ينزع الثياب ) عند رجوعهم إلى منازلهم ; لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه غير رداءه قبل ذلك ، واستحباب التحويل خاص بالرجل دون المرأة والخنثى جزم به ابن كبن وهو متجه وإن لم أقف على مأخذه ( ولو ترك الإمام الاستسقاء فعله الناس ) كسائر السنن ; لأنهم محتاجون كما هو محتاج بل أشد غير أنهم لا يخرجون إلى الصحراء مع وجود الوالي في البلد إلا بإذنه كما اقتضاه كلام الشافعي لخوف الفتنة نبه عليه الأذرعي ( ولو خطب ) له ( قبل الصلاة ) ( جاز ) لما صح من أنه صلى الله عليه وسلم خطب ، ثم صلى ، لكنه في حقنا خلاف الأفضل ; لأن فعل الخطبتين بعد الصلاة هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويقف بين كل تكبيرتين إلخ ) وينبغي أن يقول بينهما ما يقوله في العيد ، وقد يشمله قوله في الأركان وغيرها . . إلخ ( قوله : لكن تجوز زيادتها ) وهل إذا زاد على ركعتين يجهر في الجميع أو يفصل بين أن يتشهد تشهدا أول فيسر بعده أم لا فيجهر مطلقا . وهل الزيادة تشمل الركعة ، وهل إذا أمر الإمام بها ثلاث ركعات تجب كذلك ويسلك به مسلك الواجب [ ص: 422 ] من الإحرام في الأوليين فقط ، وهل يكبر في الزائد أو يختص بالأوليين ، وإذا كبر فهل يكبر في الثالثة سبعا والرابعة خمسا مثلا ، وهل يقرأ في الأخيرتين مثلا سورة أو لا ؟ لم أر من تعرض له ، وكل محتمل انتهى . كذا بهامش عن شيخنا الشوبري . أقول : والأقرب أنه لا يكبر في غير الأوليين ، وأنه إن لم يتشهد بعد الأوليين جهر وقرأ وإلا فلا أخذا مما مر في صلاة النفل وأنه لا فرق بين الركعة وغيرها ، وأن الإمام إذا أمر بشيء وجب فعله ، وهذا كله بناء على جواز الزيادة على الركعتين وسيأتي ما فيه ( قوله بخلاف العيد ) مثله في حج وبخط بعض الفضلاء أن هذا في بعض النسخ وأن الشارح رحمه الله ضرب عليه في نسخته ، وأن المعتمد أنه لا يجوز الزيادة على الركعتين كالعيد ا هـ وهو قريب ( قوله : ويندب أن يجلس ) أي بقدر أذان الجمعة قياسا على العيد ( قوله : من قاله غفر له ) أي ولا يختص ذلك بكونه في الخطبة ولا بكونه تسعا .

                                                                                                                            ( قوله : ويدعو في الخطبة الأولى جهرا ) زاد حج بأدعيته صلى الله عليه وسلم الواردة عنه وهي كثيرة ومنها : اللهم اسقنا غيثا إلخ ( قوله : بقطع الهمزة من أسقى ) وبوصلها من سقى كما يعلم مما مر ( قوله : لا ينغصه شيء ) أي وينمي الحيوان من غير ضرر ا هـ حج ( قوله : محمود العاقبة ) زاد حج : فالهنيء النافع ظاهرا والمريء النافع باطنا ( قوله : يجلل الأرض بالنبات ) أي يصيرها عظيمة مستورة بالنبات ( قوله : مطبقا على الأرض ) [ ص: 423 ] بضم الميم وسكون الباء الموحدة مخففة ، وعبارة المختار : وأطبق الشيء غطاه ا هـ . أو بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الباء الموحدة المكسورة . قال في القاموس : وطبق الشيء تطبيقا عم ، والسحاب الجو غشاه والماء وجه الأرض غطاء ( قوله : إن بالعباد والبلاد ) زاد حج والخلق ( قوله : من اللأواء ) هو بالمد والهمز شدة المجاعة ا هـ حج ( قوله : فإن استقبل له في الأولى ) أي لا تطلب إعادته بل ينبغي كراهتها ، وكذا ينبغي كراهة الاستقبال في الأولى وإن أجزأ فيها عن الاستقبال في الثانية .

                                                                                                                            ( قوله : ظهور أكفهم إلى السماء ) ظاهره أنهم يفعلون ذلك حتى في قولهم اللهم اسقنا الغيث ونحوه لكون المقصود به رفع البلاء ، ويخالفه ما مر له في القنوت وعبارته ويجعل فيه وفي غيره ظهر كفيه إلى السماء إن دعا لرفع بلاء ونحوه عكسه إن دعا لتحصيل شيء أخذا مما سيأتي في الاستسقاء ، ويمكن رد ما في القنوت إلى ما هنا بأن يقال : معنى قولهم إن طلب رفع شيء : أي إن طلب ما المقصود منه رفع شيء ، ومعنى قوله إن دعا لتحصيل شيء أي إن دعا بطلب تحصيل شيء ( قوله : فإن كان عليها حائل احتمل إلخ ) عبارة الشارح فيما تقدم في القنوت بعد قول المصنف ويسن رفع يديه ويكره خارج الصلاة رفع اليد المتنجسة ولو بحائل فيما يظهر ( قوله : ما قارفنا ) أي ارتكبنا من الذنوب ( قوله : وسعة في أرزاقنا ) هو بفتح السين على الأفصح وبها جاء التنزيل ، والكسر لغة قليلة ، وقد نظم ذلك شيخنا العلامة الدنوشري فقال :

                                                                                                                            وسعة بالفتح في الأوزان والكسر محكي عن الصغاني

                                                                                                                            [ ص: 424 ] قوله : ويحول رداءه إلخ ) انظر هل يفعل التحويل عند إرادة الاستقبال أو معه أو عقبه ا هـ عميرة . أقول : المتبادر من العندية الأول والأقرب الثالث ; لأنه فيما قبل الاستقبال مشغول بالوعظ ومعه يورث مشقة في الجمع بين التحويل والالتفات .

                                                                                                                            ( قوله : وكان طول ردائه صلى الله عليه وسلم ) قال حج في آخر اللباس : فائدة مهمة : ثم اعلم أنه لم يتحرر كما قاله الحفاظ في طول عمامته صلى الله عليه وسلم وعرضها شيء ، وما وقع للطبري في طولها أنه نحو سبعة أذرع ولغيره أنه نقل عن عائشة أنها سبعة في عرض ذراع ، وأنها كانت في السفر بيضاء وفي الحضر سوداء من صوف وأن عذبتها كانت في السفر من غيرها وفي الحضر منها ، فهو شيء استروحا فيه ولا أصل له . نعم وقع خلاف في الرداء فقيل ستة أذرع في عرض ثلاثة أذرع ، وقيل أربعة أذرع ونصف أو شبران في عرض ذراعين وشبر ، وقيل أربعة أذرع في عرض ذراعين ونصف ، وليس في الإزار إلا القول الثاني ا هـ ( قوله : وعليه خميصة ) أي كساء ( قوله : جزم به ابن كب ) وفي نسخة كبن ( قوله : فعله الناس ) أي البالغون الكاملون ; لأنها سنة عين فلا يسقط طلبها بفعل بعضهم وإن كان بالغا عاقلا ; لأن ذاك إنما يقال في سنن الكفاية وهذه سنة عين ( قوله غير أنهم لا يخرجون إلى الصحراء ) ويحرم ذلك إن ظنوا فتنة ا هـ سم على منهج ، وقضيته أنهم حيث فعلوها في البلد خطبوا ولو بلا إذن ولعله غير مراد ، بل متى خافوا الفتنة لم يخطبوا إلا بإذن ( قوله : ولو خطب قبل الصلاة جاز ) أي بخلاف العيد والكسوف فإنه لم يرد أنه خطب قبلهما . وكتب عليه شيخنا الشوبري : انظر مانع الصحة في العيد [ ص: 425 ] والكسوف ، ولا يقال الاتباع ; لأنه بمجرده لا يقتضي المنع لجواز القياس فيما لم يرد على ما ورد ، ولا يقال الاهتمام بأمر الحث على التوبة والوعظ اقتضى صحة التقديم ; لأنه بتسليمه لا يقتضي منع الصحة بل الأولوية أو نحو ذلك فليحرر ا هـ من حواشي التحرير .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 421 - 422 ] قوله : ; لأنها ذات سبب ) أي متقدم وهو المحل ( قوله : فيقول قبل الخطبة الأولى تسعا إلخ ) لم يذكر مقول هذا القول في النسخ التي رأيتها ، ولعله سقط من الكتبة فلتراجع له نسخة صحيحة . لا يقال : قوله : أستغفر الله إلخ تنازعه يقول هذا ويقول الآتي بعده ; لأنا نقول : لا يصح ; لأن مقول الأول مطلق الاستغفار الشامل لما ذكر وغيره فهو غير خصوص الأولى ( قوله : بقطع الهمزة ) وبوصلها أيضا كما في الدميري [ ص: 423 ] قوله : حينئذ ) أي حين استقباله القبلة وإن أوهم سياقه خلافه ولو أخر قوله ، فإن استقبل له في الأولى إلخ عن قول المصنف ويبالغ في الدعاء سرا وجهرا لكان أوضح ( قوله : جاعلين ظهور أكفهم إلى السماء ) ظاهره في جميع الدعاء وهو مشكل ، إذ هو مشتمل على طلب الحصول كقوله اللهم اسقنا الغيث ، وقد يقال : المطلوب رفع ما هو واقع من الجدب وإن طلب فيه ما ذكر [ ص: 424 ] قوله : ويدل عليه ) أي على قوله وينكسون ولو ذكره عقبه كان أوضح ( قوله : فهو مساو لقول أصله إلخ ) عبارة أصله والناس يفعلون بأرديتهم كما يفعل الإمام




                                                                                                                            الخدمات العلمية