الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
9604 - الهوى مغفور لصاحبه ما لم يعمل به أو يتكلم (حل) عن أبي هريرة - (ض)

التالي السابق


(الهوى مغفور لصاحبه) بالقصر: ما يهواه العبد، أي يحبه ويميل إليه، فحقيقته شهوة النفس، وهو ميلها لملائمها، ويستعمل عرفا في الميل إلى خلاف الحق، وهو المراد هنا ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وذهب بعضهم إلى أن المراد العشق، أي لا يؤاخذ به العاشق؛ لأنه فعل الله بالعبد بغير سبب؛ لأنه وإن كان مبدأه النظر فليس موجبا له، قال أفلاطون: لا أعلم ما الهوى، غير أني أعلم أنه جنون إلهي، لا محمود صاحبه ولا مذموم، فقال يحيى بن معاذ : لو وليت خزائن العذاب ما عذبت عاشقا قط؛ لأنه اضطرار لا اختيار، ولهذا جاء في الخبر: من هم بسيئة لا تكتب عليه، لأنه شبيه الضروري، ولذلك نص في الخبر المار على أن من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد، لكنه علق الشهادة بشرطين كما تقرر، وعلق عدم المؤاخذة هنا بشرطين أشار إليهما بقوله (ما لم يعمل به) فإذا عمل به ما يؤدي إلى الوقوع في محظور كنظر ومجالسة ودنو من مواضع الاستراحة بنوع من التأويل صار ملوما (أو يتكلم) بما فيه راحة قلب، ومتابعة هوى نفسه، وإظهار حاله إلى أقرانه، وبثه حزنه إلى إخوانه، أو ترنم بشعر في خلاء، أو سكب دمع في ملأ، فهو ملام وإن كان في غير محرم، فما لم يعمل به يغفر له ما كان من الهنات في طلب الاستراحة، ويستحق وعد الله بقوله وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى لكن رتبة الشهادة سنية لا تنال إلا بفضيلة من الله كاملة أو بلية شاملة، وإنما تقارب أوصاف القتيل في سبيل الله أوصاف من عف لإيثار ترك لذة النفس كما تعرض للقتل في سبيل الله معرضا عن نفسه، باذلا مهجته، فالأول جاهد نفسه في مخالفة هواها إيثارا لمحبة القديم على الحديث، وعلم مما سبق أن من عف وعجز عن الكتمان شمله الوعد بالجنان، قال بعض الصوفية: رأيت عند خلو المطاف في الثلث الأخير امرأة كأنها شمس على قضيب في كثيب متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول:


رأيت الهوى حلوا إذا اجتمع الشمل. . . ومرا على الهجران لا بل هو القتل

ومن لم يذق للهجر طعما فإنه.
. . إذا ذاق طعم الوصل لم يدر ما الوصل

وقد ذقت طعميه على القرب والنوى.
. . فأبعده قتل وأقربه خبل



ثم التفتت فرأتني فقالت: يا هذا ظن خيرا، فإن من ضعفت قوته عن حمل شيء ألقاه طلبا للراحة وفرارا من نقل المحبة، وقد نطقت بما علمه الله وأحصاه الملكان، فإن تعف عن أهل السرائر أكرمتهم، وإن يعاقبوا فيا خيبة المذنبين، ثم بكت، فما رأيت درا قطع سلكه فانتثر بأحسن من دموعها، ففررت منها خوفا أن أصبو إليها، رحمة الله عليها، كذا قرره بعض العارفين قال: والغرض من حكاية هذا التنبيه لمن عساه أن تسمو همته إلى الأمر العظيم والخطب الجسيم من محبة من ليس [ ص: 359 ] كمثله شيء، فمن شاهد ذلك من نفسه فليعرضها على أحوال هؤلاء في شأن محدث لا يضر ولا ينفع

(حل عن أبي هريرة ) ثم قال: تفرد به المسيب بن واضح عن ابن عيينة اهـ. والمسيب بن واضح قال الدارقطني : ضعيف.



الخدمات العلمية