الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1096 [ 1513 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار وعن أبي الزبير، سمعا جابر بن عبد الله يقول: "دبر رجل منا غلاما له ليس له مال غيره، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من يشتريه مني"؟ فاشتراه [نعيم] النحام.

قال عمرو: فسمعت جابرا يقول: عبدا قبطيا مات عام أول في إمارة ابن الزبير.

زاد أبو الزبير: يقال له: يعقوب.

قال الشافعي: هكذا سمعته منه عامة دهري، ثم وجدت في كتابي: دبر رجل منا غلاما له فمات؛ فإما أن يكون خطأ من كتابي أو خطأ من سفيان، فإن كان من سفيان فابن جريج أحفظ لحديث أبي الزبير من سفيان ومع ابن جريج حديث الليث وغيره، وأبو الزبير يحد الحديث تحديدا يخبر فيه حياة الذي دبره، وحماد بن زيد مع حماد بن سلمة وغيره أحفظ لحديث عمرو من سفيان وحده، وقد يستدل على حفظ الحديث من خطأه بأقل مما وجد في حديث ابن جريج والليث عن أبي الزبير، وفي حديث حماد عن عمرو، وغير حماد يرويه عن عمرو كما رواه حماد بن زيد [ ص: 143 ] .

وقد أخبرني غير واحد ممن لقي سفيان بن عيينة قديما أنه لم يكن يدخل في حديثه "مات" وعجب بعضهم حين أخبرته أني وجدت في كتابي: "مات"، وقال: لعل هذا خطأ منه أو زللا منه حفظتها عنه.

التالي السابق


الشرح

أبو مذكور: مذكور في الصحابة معدود من الأنصار، ويقال: أنه روى عنه: جابر بن عبد الله .

وغلامه يعقوب القبطي عد في الصحابة أيضا .

ونعيم بن عبد الله قرشي عدوي، قيل: هو نعيم بن عبد الله بن النحام بن أسيد وكذلك هو في معرفة الصحابة لأبي عبد الله ابن منده، وقيل: نعيم بن النحام بن عبد الله بن أسيد، وكذلك هو في "الإكمال" لابن ماكولا الأمير، وذكر أن أهل الحديث يقولون: النحام بفتح النون وتشديد الحاء، وقال ابن الكلبي: هو النحام بن عبد الله بضم النون وتخفيف الحاء، وحكى البخاري في التاريخ عن ابن عقبة أنه قتل يوم أجنادين في خلافة عمر رضي الله عنه، وحكى غيره عن ابن الكلبي [أنه] قتل يوم مؤتة، ثم قد يقال له: نعيم بن النحام، وقد يقال: نعيم النحام، وذكر بعضهم [أنه] الصواب، وإنما سمي النحام، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دخلت الجنة [ ص: 144 ] فسمعت نحمة نعيم " والنحمة: السعلة، ويمكن أن يقال: كل منهما صواب، هذا باعتبار نحمته وذلك لوقوع الاسم في نسبه.

والقصة صحيحة أخرجها البخاري من طريق حماد بن زيد عن [عارم] عنه، ومسلم عن أبي الربيع عن حماد، وأخرجها من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير: مسلم، عن قتيبة ومحمد بن رمح، عن الليث.

وحديث سفيان عن عمرو عن جابر رواه البخاري عن قتيبة، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، بروايتهم عن سفيان.

والحديث يدل على أن بيع المدبر جائز، ويروى ذلك عن مجاهد وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز، وقد سبق عن عائشة؛ أنها باعت مدبرة لها سحرتها ، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق، وهو حجة على من منع من بيعه مطلقا، ويروى ذلك عن سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي والزهري، وبه قال أبو حنيفة والثوري، وعلي منع منه في حياة السيد وجوز لوارثه بيعه إذا كان عليه دين يحيط بالتركة، ويروى ذلك عن مالك.

قوله: "فباع العبد" وفي الروايات الأخر: "من يشتريه مني" حمل [ ص: 145 ] على تجويزه البيع وإذنه فيه، قال الشافعي : كأنه دبر وهو يرى أنه لا يجوز بيع المدبر، وأراد بيعه إما محتاجا إليه أو غير محتاج وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأذن له في بيعه أو توكل عنه في البيع ودفع إليه الثمن.

وفيه أن المحتاج ينبغي أن يمسك المال وينفق منه على نفسه، قال الشافعي: لئلا يحتاج إلى الناس، ثم ينفق على أهله وأقاربه، فإن فضل شيء فعلى سائر الناس، وقد روي عن عطاء عن جابر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع ثمنه إليه، وقال: "أنت إلى ثمنه أحوج والله عنه غني" .

وقولها: "بثمانمائة درهم" كذا هو في الأكثر، وروى مسدد، عن هشيم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء.

وعن إسماعيل بن أبي خالد، عن سلمة بن كهيل، عن عطاء، عن جابر؛ أن رجلا أعتق غلاما عن دبر منه ولم يكن له مال غيره، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبيع بتسعمائة أو بسبعمائة كأنه جرى ذكر الثمن على التقريب، ومن قال بثمانمائة أراد ثمانمائة أو نحو ذلك.

وفي قوله: "فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فبيع" ما يبين ما قدمنا أن المعنى أنه أذن في بيعه وجوزه.

وقول الشافعي: وزاد مسلم بن خالد في الحديث شيئا أراد به الزيادات المسوقة في رواية الليث بن سعد.

وقوله: "هكذا سمعته منه عامة دهري ... إلى آخره" فالمراد منه أن الذي سمعته من سفيان غير مرة: أنه دبر رجل غلاما ليس له مال غيره فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من يشتريه مني" من غير حكاية موت الرجل، ثم رأيت في [ ص: 146 ] كتابي "دبر رجل منا غلاما له فمات" ورأى ذكر الموت في القصة خطأ وقع منه في الكتاب أو خطأ من سفيان، فإن اتفق في الكتاب وسفيان بريء فروايته كرواية غيره، وإن ذكره سفيان فاحتج على خطئه بأن ابن جريج والليث لم يذكرا عن أبي الزبير الموت، بل في رواية الليث ما يدل على أنه كان في حياة السيد؛ لأنه قال: "فدفعها إليه" ثم قال: "ابدأ بنفسك ... إلى آخره"، والحمادان في حديث عمرو لم يذكرا أيضا الموت، وقالا: "فأعطاه الثمن".

ورواه عن أبي الزبير كما رواه ابن جريج والليث: أيوب السختياني، وحماد بن سلمة، وزهير بن معاوية.

ورواه شعبة عن عمرو بن دينار كما رواه الحمادان.

ورواه عن سفيان: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، والحميدي، وقتيبة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، ولم يتعرضوا للموت، والذي رواه شريك عن سلمة بن كهيل، عن عطاء وأبي الزبير، عن جابر؛ أن رجلا مات وترك مدبرا ودينا فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعوه في دينه فباعوه بثمانمائة . خطأ من شريك عند أهل العلم بالحديث، وقد رواه حسين المعلم والأوزاعي وعبد المجيد بن سهيل عن عطاء عن جابر فقالوا: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ ثمنه فدفعه إلى صاحبه" وكذلك رواه الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد عن سلمة بن كهيل.

وقوله: "ولعل هذا خطأ منه أو زللا منه حفظتها عنه" كذا هو في [ ص: 147 ] نسخ الكتاب وفي "الأم" وكان المعنى أو اتفق أو وقع زللا منه، ويحسن أن يقال: قوله: "خطأ منه" أي: من الكتاب، والمعنى أنه خطأ مما في الكتاب أو هو زلل من سفيان حفظتها عنه، ويوافق ذلك قوله أولا: فإما أن يكون خطأ من كتابي أو خطأ من سفيان.




الخدمات العلمية