الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 487 ] فصل ( ويقع طلاق كل زوج إذا كان عاقلا بالغا ولا يقع طلاق الصبي والمجنون والنائم ) لقوله عليه الصلاة والسلام { كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون } ولأن الأهلية بالعقل المميز وهما عديما العقل [ ص: 488 ] والنائم عديم الاختيار .

التالي السابق


( فصل ) ( قوله ولا يقع طلاق الصبي ) وإن كان يعقل ( والمجنون والنائم ) والمعتوه كالمجنون ، قيل هو القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير لكن لا يضرب ولا يشتم ، بخلاف المجنون . وقيل العاقل من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرا والمجنون ضده ، والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء ، وهذا يؤدي إلى أن لا يحكم بالعته على أحد ، والأول أولى . وما قيل من يكون كل من الأمرين منه غالبا معناه يكثر منه .

وقيل من يفعل فعل المجانين عن قصد مع ظهور الفساد والمجنون بلا قصد ، والعاقل خلافهما وقد يفعل فعل المجانين على ظن الصلاح أحيانا . والمبرسم والمغمى عليه والمدهوش كذلك ، وهذا ( لقوله صلى الله عليه وسلم { كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون } ) والذي في سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله } وضعفه . وروى ابن أبي شيبة بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما : لا يجوز طلاق الصبي والمجنون . وروي أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه . وعلقه البخاري أيضا عن علي رضي الله عنه ، والمراد بالجواز هنا النفاذ . وروى البخاري أيضا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال : ليس لمجنون ولا لسكران طلاق . لكن معلوم من كليات الشريعة أن التصرفات لا تنفذ إلا ممن له أهلية التصرف وأدرناها بالعقل والبلوغ خصوصا ما هو دائر بين الضرر والنفع خصوصا ما لا يحل إلا لانتفاء مصلحة ضده القائم كالطلاق فإنه يستدعي تمام العقل ليحكم به التمييز في ذلك الأمر ، ولم يكف عقل الصبي العاقل ; لأنه لم يبلغ الاعتدال ، بخلاف ما هو حسن لذاته بحيث لا يقبل حسنه السقوط وهو الإيمان حتى صح من الصبي العاقل ، ولو فرض لبعض الصبيان المراهقين عقل جيد لا يعتبر ; لأن المدار صار البلوغ [ ص: 488 ] لانضباطه فتعلق به الحكم ، وكون البعض له ذلك لا يبنى الفقه باعتباره ; لأنه إنما يتعلق بالمظان الكلية ; وبهذا يبعد ما نقل عن ابن المسيب أنه إذا عقل الصبي الطلاق جاز طلاقه .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما : جواز طلاق الصبي ومراده العاقل ، ومثله عن الإمام أحمد ، والله أعلم بصحة هذه النقول .




الخدمات العلمية