الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1100 1151 - قال : وقال عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت عندي امرأة من بني أسد ، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "من هذه ؟ " . قلت : فلانة لا تنام بالليل . فذكر من صلاتها ، فقال : " مه ، عليكم ما تطيقون من الأعمال ، فإن الله لا يمل حتى تملوا " . [انظر : 43 - مسلم : 785 - فتح: 3 \ 36]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أنس بن مالك قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا حبل ممدود بين الساريتين . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن هشام عن أبيه ، عن عائشة قالت : كانت عندي امرأة من بني أسد . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              أما حديث أنس فأخرجه مسلم في الصلاة ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

                                                                                                                                                                                                                              وأغرب الحميدي فذكره في أفراد البخاري .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 119 ] وشيخ البخاري فيه : أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج .

                                                                                                                                                                                                                              وزينب هذه هي ابنة جحش ، كما جاء في رواية أبي بكر بن أبي شيبة وغيره . وفي أبي داود : حمنة بنت جحش . وقال ابن الجوزي في حديث : فقالوا فلانة تصلي : هي حمنة . وقيل : أختها زينب أم المؤمنين . وقيل : ميمونة بنت الحارث . وذكر في "الموطأ " أنها الحولاء بنت تويت .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث عائشة فقد سلف مسندا في باب : أحب الدين إلى الله أدومه من كتاب الإيمان من حديث يحيى بن سعيد عن هشام ، ورواه أبو نعيم من حديث محمد بن غالب ، عن عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، وقال في آخره : ورواه -يعني : البخاري - وقال : قال عبد الله بن مسلمة ، وأسنده الإسماعيلي من طريق يونس ، عن ابن وهب ، عن مالك . ورواه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : الحث على الاقتصاد في العبادة ، والنهي عن التعمق ، وقد قال تعالى : لا تغلوا في دينكم [النساء : 171] والله أرحم بالعبد من نفسه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 120 ] وفيه : الأمر بالإقبال عليها بنشاط ، وإذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور ، وإزالة المنكر باليد لمن تمكن منه ، وجواز التنفل في المسجد وذلك لأنها كانت تصليها فيه فلم ينكر عليها ، وكراهية الاعتماد على الشيء في الصلاة ، ويأتي إن شاء الله في باب : استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة ، من كره ذلك ومن أجازه ، وإنما كره التشديد في العبادة ، خشية الفتور والملالة ، وقد قال الشارع : "خير العمل ما داوم عليه صاحبه وإن قل " وقال الرب جل جلاله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [البقرة : 286] وقال : وما جعل عليكم في الدين من حرج [الحج : 78] فكره الإفراط في العبادة ; لئلا ينقطع عنها المرء فيكون كأنه رجوع فيما بذله من نفسه للرب جل جلاله وتطوع به .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (فذكر من صلاتها ) هو من قول عروة أو من رواة الحديث ، وهو تفسير لقول عائشة : لا تنام الليل . ووصفتها بالامتناع من النوم ; لأنه دأب الصالحين .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف قول مالك فيمن يحيي الليل كله ، فكرهه مرة ، وهو مذهب الشافعي ، وفي الشارع أسوة حسنة ، كان يصلي أدنى من ثلثي الليل ونصفه ، ثم رجع فقال : لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( "لا يمل حتى تملوا " ) أي : لا يمل من الثواب حتى تملوا أنتم من العمل الذي هو شأنكم . ومعنى الملل من الله : ترك الإعطاء .

                                                                                                                                                                                                                              ومعناه هنا : السآمة . إلا أنه لما كان الأمر من الترك وصف تركه [ ص: 121 ] بالملل على معنى المقابلة ، وليس فيه ما يدل على أنه يمل العطاء إذا مللنا العمل ، إلا من جهة دليل الخطاب إذا علق بالغاية ، وبه قال القاضي أبو بكر ، وذكر الداودي أن أحمد بن أبي سليمان قال : معناه : لا يمل وأنتم تملون . وقيل هي ها هنا بمعنى : حين . فهذه أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الهروي : قيل : إن الله لا يمل أبدا مللتم أو لم تملوا ، فجرى هذا مجرى قول العرب : حتى يبيض القار .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى : ( "فعليكم بما تطيقون من الأعمال " ) يحتمل الندب لنا إلى أن نكلف بما لنا به طاقة أو نهينا عما لا نطيق ، والأمر بالاقتصار على ما يطيقه ، وهو الأليق .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( "من الأعمال " ) أراد به عمل البر ; لأنه ورد على سببه ،

                                                                                                                                                                                                                              وهو قول مالك : إن اللفظ الوارد على سبب مقصور عليه ; ولأنه ورد من جهة صاحب الشرع فيجب أن يحمل على الأعمال الشرعية .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( "بما تطيقون " ) يريد : بما لكم المداومة عليه طاقة ، وقد اختلف السلف في التعليق بالحبل في النافلة عن الفتور والكسل ، فذكر ابن أبي شيبة عن أبي حازم أن مولاته كانت في أصحاب الصفة قالت : وكانت لنا حبال نتعلق بها إذا فترنا ونعسنا في الصلاة ، فأتى أبو بكر فقال : اقطعوا هذه الحبال وأفضوا إلى الأرض . وقال حذيفة في التعلق في الصلاة : إنما يفعل ذلك اليهود .

                                                                                                                                                                                                                              ورخص في ذلك آخرون . قال عراك بن مالك : أدركت الناس في رمضان يربط لهم الحبال فيمسكون بها من طول القيام .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 122 ] وقد أسلفنا الكلام على هذا الحديث في باب : أحب الدين إلى الله أدومه ، ولما طال العهد أشرنا إليه أيضا .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية