الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1153 حدثنا محمد بن العلاء وابن أبي زياد المعنى قريب قالا حدثنا زيد يعني ابن حباب عن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال أخبرني أبو عائشة جليس لأبي هريرة أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر فقال أبو موسى كان يكبر أربعا تكبيره على الجنائز فقال حذيفة صدق فقال أبو موسى كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم و قال أبو عائشة وأنا حاضر سعيد بن العاص

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن عبد الرحمن بن ثوبان ) : قال ابن الجوزي في التحقيق قال ابن معين : هو ضعيف وقال أحمد لم يكن بالقوي وأحاديثه مناكير انتهى . قال الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي في التنقيح : عبد الرحمن بن ثوبان وثقه غير واحد ، وقال ابن معين ليس به بأس ولكن أبو عائشة قال ابن حزم فيه : مجهول ، وقال ابن القطان لا أعرفه . انتهى ( يكبر في الأضحى والفطر ) : أي في صلاتهما ( كان ) النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( يكبر ) : أي في كل ركعة [ ص: 8 ] ( أربعا ) : أي متوالية . والمعنى مع تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى ومع تكبيرة الركوع في الثانية ( تكبيره ) : أي مثل عدد تكبيره ( على الجنائز ) : صلاة الجنائز ( صدق ) : أبو موسى ( حيث كنت عليهم ) : أي أميرا ( وأنا حاضر ) : وقت هذه المكالمة والحديث استدل به الحنفية وقالوا : يصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى للافتتاح وثلاثا بعدها ثم يقرأ الفاتحة وسورة ويكبر تكبيرة يركع بها ثم يبتدي في الركعة الثانية بالقراءة ثم يكبر ثلاثا بعدها ويكبر رابعة يركع بها ، وهذا قول ابن مسعود وهو قولنا كذا في الهداية .

                                                                      والحديث سكت عنه أبو داود ثم المنذري لكن فيه كلام كما تقدم . وقال البيهقي في المعرفة : وعبد الرحمن هذا قد ضعفه يحيى بن معين والمشهور من هذه القصة أنهم أسندوا أمرهم إلى ابن مسعود فأفتاه ابن مسعود بأربع في الأولى قبل القراءة وأربع في الثانية بعد القراءة ويركع لرابعة ولم يسنده إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، كذلك رواه أبو إسحاق السبيعي وغيره عن شيوخهم ، ولو كان عند أبي موسى فيه علم عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يسأله عن ابن مسعود . وروي عن علقمة عن عبد الله أنه قال خمس في الأولى وأربع في الثانية ، وهذا يخالف الرواية الأولى عنه انتهى كلامه .

                                                                      قلت رواية أبي إسحاق التي أشار إليها البيهقي أخرجها عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود قال : " كان ابن مسعود جالسا وعنده حذيفة وأبو موسى الأشعري فسألهم سعيد بن العاص عن التكبير في صلاة العيد فقال حذيفة سل الأشعري ، فقال الأشعري سل عبد الله فإنه أقدمنا وأعلمنا ، فسأله فقال ابن مسعود يكبر أربعا ثم يقرأ ثم يكبر فيركع فيقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا بعد القراءة " وأخرجه أيضا أخبرنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود أن ابن مسعود " كان يكبر في العيدين تسعا ؛ أربع قبل القراءة ثم يكبر فيركع وفي الثانية يقرأ فإذا فرغ كبر أربعا ثم ركع " وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا هشيم حدثنا خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث قال : " صلى ابن عباس يوم عيد فكبر تسع تكبيرات ؛ خمسا في الأولى وأربعا في الآخرة ووالى بين القراءتين " ورواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا إسماعيل بن أبي الوليد حدثنا خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث قال : " شهدت ابن عباس كبر في صلاة العيد بالبصرة تسع تكبيرات ووالى بين القراءتين قال وشهدت المغيرة بن شعبة فعل ذلك أيضا فسألت خالدا كيف كان فعل ابن عباس ففسر لنا كما صنع ابن [ ص: 9 ] مسعود في حديث معمر والثوري عن أبي إسحاق سواء " وأخرج ابن أبي شيبة حدثنا يحيى بن سعيد عن أشعث عن محمد بن سيرين عن أنس : " أنه كان يكبر في العيد تسعا " فذكر مثل حديث ابن مسعود انتهى .

                                                                      وأشعث هو ابن سوار ضعيف . وهذه الآثار كلها تؤيد مذهب أبي حنيفة رحمه الله . وروي عن ابن عباس أيضا خلاف ذلك ؛ أخرج ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن ابن جريج عن عطاء : " أن ابن عباس كبر في العيد ثلاث عشرة ؛ سبعا في الأولى وستا في الآخرة بتكبيرة الركوع كلهن قبل القراءة " أخبرنا ابن إدريس حدثنا ابن جريج به نحوه . حدثنا هشيم عن حجاج وعبد الملك عن عطاء عن ابن عباس . " أنه كان يكبر في العيدين ثلاث عشرة تكبيرة " حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حميد عن عمار بن أبي عمار : " أن ابن عباس كبر في العيد ثنتي عشرة تكبيرة ؛ سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة " انتهى .

                                                                      وكأن رواية يزيد بن هارون هذه هي الرواية الثانية عن ابن عباس لأنه كبر في الأولى سبعا بتكبيرة الركوع وكبر في الثانية خمسا بتكبيرة الركوع فالجملة اثنتي عشرة تكبيرة والله أعلم .

                                                                      وأخرج مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر قال : " شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة " قال مالك وهو الأمر عندنا .

                                                                      وأخرج البيهقي في المعرفة بإسناده إلى الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني إسحاق بن عبد الله عن عثمان بن عروة عن أبيه : " أن أيوب وزيد بن ثابت أمراه أن يكبر في صلاة العيدين سبعا وخمسا " وهذه الآثار كلها توافق مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من الأئمة ، وجاءت فيه الأحاديث المرفوعة أيضا غير ما تقدمت .

                                                                      فمنها ما أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده عمرو بن عوف المزني : " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة " قال الترمذي : حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب وقال في علله الكبرى : سألت محمدا عن هذا الحديث فقال ليس شيء أصح منه وبه أقول انتهى .

                                                                      قال ابن القطان في كتابه : هذا ليس بصريح في التصحيح فقوله هو أصح شيء في الباب يعني ما في الباب وأقل ضعفا ، وقوله به أقول يحتمل أن يكون من كلام الترمذي أي وأنا أقول إن هذا الحديث أشبه ما في الباب ; لأن كثير بن عبد الله عندهم متروك .

                                                                      ومنها ما رواه ابن ماجه حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار [ ص: 10 ] بن سعد مؤذن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال حدثني أبي عن أبيه عن جده : " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يكبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة " وهذا الحديث ضعيف لضعف عبد الرحمن بن سعد وأبوه لا يعرف حاله : قاله السندي .

                                                                      وأخرج الدارقطني في سننه عن عبد الله بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده قال : " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكبر في العيدين في الأولى سبعا وفي الآخرة خمسا " قال الزيلعي : عبد الله بن محمد قال فيه ابن معين ليس بشيء ، وقال الذهبي عبد الله بن محمد بن عمار عن آبائه ضعفه ابن معين . قال عثمان بن سعيد قلت ليحيى كيف حال هؤلاء؟ قال : ليسوا بشيء انتهى .

                                                                      ومنها ما أخرجه الدارقطني أيضا عن فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : التكبير في العيدين في الأولى سبع تكبيرات وفي الآخرة خمس تكبيرات . قال الترمذي في علله الكبرى : سألت محمدا عن هذا الحديث فقال الفرج بن فضالة ذاهب الحديث ، والصحيح ما رواه مالك وغيره من الحفاظ عن نافع عن أبي هريرة فعله انتهى .

                                                                      ومنها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال علي " يكبر في الأضحى والفطر والاستسقاء سبعا في الأولى وخمسا في الأخرى ويصلي قبل الخطبة ويجهر بالقراءة ، قال : وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر وعمر وعثمان يفعلون ذلك " وإبراهيم بن أبي يحيى ضعفه ابن معين وأحمد ووثقه الشافعي . قال ابن القطان قال أحمد بن حنبل ليس في تكبير العيدين عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث صحيح . وروى العقيلي عن أحمد أنه قال ليس يروى في التكبير في العيدين حديث صحيح مرفوع وكذا قال الحاكم وسلف كلامه . قال البيهقي في الخلافيات : لا شك في صحته موقوفا على أبي هريرة ، وعن ابن عباس مثله ورواته ثقات وكذا الطبراني قال في حديث أبي هريرة الصحيح الموقوف . وقال ابن عبد البر روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من طرق حسان أنه كبر في العيدين سبعا في الأولى وخمسا في الثانية من حديث عبد الله بن عمر وابن عمرو وجابر وعائشة وأبي واقد وعمرو بن عوف المزني ولم يرو عنه من وجه قوي ولا ضعيف خلاف هذا ، وهو أولى ما عمل به انتهى .

                                                                      وقد اختلف العلماء في عدد التكبيرات في صلاة العيد في الركعتين وفي وضع التكبير على عشرة أقوال : أحدها - أنه يكبر في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الثانية خمسا [ ص: 11 ] قبل القراءة . قال العراقي : وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة قال : وهو مروي عن عمر وعلي وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وزيد بن ثابت وعائشة : وهو قول الفقهاء السبعة من أهل المدينة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومكحول وبه يقول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق . قال الشافعي والأوزاعي وإسحاق : إن السبع في الأولى بعد تكبيرة الإحرام .

                                                                      القول الثاني : أن تكبيرة الإحرام معدودة من السبع في الأولى ، وهو قول مالك وأحمد والمزني .

                                                                      والقول الثالث : أن التكبير في الأولى سبع وفي الثانية سبع ، روي ذلك عن أنس بن مالك والمغيرة بن شعبة وابن عباس وسعيد بن المسيب والنخعي .

                                                                      القول الرابع : في الأولى ثلاث بعد تكبيرة الإحرام قبل القراءة وفي الثانية ثلاث بعد القراءة ، وهو مروي عن جماعة من الصحابة ؛ ابن مسعود وأبي موسى وأبي مسعود الأنصاري ، وهو قول الثوري وأبي حنيفة .

                                                                      والقول الخامس : يكبر في الأولى ستا بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة وفي الثانية خمسا بعد القراءة ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل . وباقي الأقوال الخمسة مذكورة في نيل الأوطار فليرجع إليه .

                                                                      وأما رفع اليدين في تكبيرات العيدين فلم يثبت في حديث صحيح مرفوع وإنما جاء في ذلك أثر . قال البيهقي في المعرفة باب رفع اليدين في تكبير العيد ، قال أحمد والبيهقي : ورويناه عن عمر بن الخطاب في حديث مرسل وهو قول عطاء بن أبي رباح ، وقاسه الشافعي على رفع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يديه حين افتتح الصلاة وحين أراد أن يركع وحين رفع رأسه من الركوع ولم يرفع في السجود ، قال : فلما رفع يديه في كل ذكر كان حين يذكر الله قائما أو رافعا إلى قيام من غير سجود لم يجز إلا أن يقال يرفع المكبر في العيدين يديه عند كل تكبيرة كان قائما فيها . انتهى . والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية