الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1485 [ 1516 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب قال: حدثني أبو المعتمر ابن عمرو بن رافع ، عن ابن خلدة الزرقي وكان قاضي المدينة ، أنه قال : جئنا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس ، فقال : هذا الذي قضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما رجل مات أو أفلس [ ص: 148 ] فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه .

التالي السابق


الشرح

أبو المعتمر بن عمرو.

روى عنه: ابن أبي ذئب، واسم جده رافع في نسخ "المسند" وكذلك رواه حرملة عن الشافعي، وفي بعض الروايات عن الربيع: أن اسمه نافع بالنون، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وهو أصح .

وابن خلدة: هو عمر بن خلدة الزرقي الأنصاري قاضي أهل المدينة، وقيل: هو عمرو بن خلدة؛ والأول أصح، وفي باب عمر أورده البخاري في التاريخ وذكر أنه سمع أبا هريرة وأنه روى عنه: أبو معتمر بن عمرو بن رافع، وأن بعضهم قال: هو عمر بن عبد الرحمن بن خلدة .

والحديث من رواية يحيى بن سعيد رواه صاحبا "الصحيحين" عن أحمد بن يونس، عن زهير عن يحيى، وأورده مالك في "الموطأ" ، وأخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك، وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان وعن محمد بن رمح عن الليث، بروايتهما عن يحيى بن سعيد، وأبو عيسى عن قتيبة عن الليث قال: [ ص: 149 ] وفي الباب عن سمرة وابن عمر.

وحديث أبي المعتمر رواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب، وأخرجه ابن ماجه عن إبراهيم بن المنذر الحزامي وغيره عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب.

وفيه دليل على أنه إذا أفلس المشتري بالثمن ووجد البائع عين ماله؛ له أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله، ويروى عن عثمان وعلي رضي الله عنهما أنهما قضيا بذلك، وبه قال عروة بن الزبير والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وذهب النخعي وأبو حنيفة إلى أنه ليس له أن يأخذ عين ماله بل هو أسوة الغرماء، ومن قال به ربما حمل الحديث على الغصوب والودائع والعواري، لكنه تأويل ضعيف من وجهين:

أحدهما: أنه رتب الحكم على الإفلاس، والإفلاس عدم الأثر في الرجوع ... معمر، عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن هشام بن يحيى، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أفلس الرجل، فوجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء" .

ولو مات مفلسا فهو كما لو أفلس في حياته، وعن مالك أنه إذا أفلس أو مات مفلسا وقد أخذ البائع شيئا من الثمن فليس له إلا [ ص: 150 ] المضاربة مع الغرماء، وإن لم يأخذ شيئا رجع إلى عين ماله، واعتمد فيه على حديث مرسل، ويروى عنه أنه لا يثبت الرجوع فيما إذا مات بحال.

وظاهر قوله: "أيما رجل مات أو أفلس" ثبوت الرجوع بالموت وإن كان مال الميت وافيا بالديون، وقد أخذ بهذا الظاهر أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا، والأكثرون أولوه وقالوا: المعنى أيما رجل مات مفلسا أو أفلس في حياته، وقالوا: إذا تيسر الوصول إلى الثمن وجب أن لا يثبت الرجوع كما في حال الحياة، وروي في بعض الروايات أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه ما لم يخلف وفاء" .

وقوله: "هذا الذي قضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم –" لم يرد به الإشارة إلى [عينه] وإنما أراد الإشارة إلى الجنس، ونظيره: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به".

وقوله: "إذا وجده بعينه" أي: وجده في ملك المشتري بحاله، فإن زال ملكه أو تغير بزيادة أو نقصان ففن الفقه يتكفل ببيان ذلك.




الخدمات العلمية