الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4435 233 - حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا أبو حيان التيمي ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم [ ص: 27 ] فرفع إليه الذراع ، وكانت تعجبه ، فنهس منها نهسة ، ثم قال : أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون مم ذاك ؟ يجمع الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم ، والكرب ما لا يطيقون ، ولا يحتملون ، فيقول الناس : ألا ترون ما قد بلغكم ، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ، فيقول بعض الناس لبعض : عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له : أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، ألا ترى إلى ما قد بلغنا ، فيقول آدم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة ، فعصيته ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحا ، فيقولون : يا نوح ، إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وقد سماك الله عبدا شكورا ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، فيقول : إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى إبراهيم ، فيأتون إبراهيم ، فيقولون : يا إبراهيم ، أنت نبي الله ، وخليله من أهل الأرض ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، فيقول لهم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات ، فذكرهن أبو حيان في الحديث نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى موسى ، فيأتون موسى فيقولون : يا موسى ، أنت رسول الله ، فضلك الله برسالته ، وبكلامه على الناس ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، فيقول : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى عيسى ، فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى ، أنت رسول الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، وكلمت الناس في المهد صبيا ، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ، فيقول عيسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، ولم يذكر ذنبا نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقولون : يا محمد ، أنت رسول الله ، وخاتم الأنبياء ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، فأنطلق ، فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز وجل ، ثم يفتح الله علي من محامده ، وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ، ثم يقال : يا محمد ، ارفع رأسك ، سل تعطه ، واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأقول : أمتي يا رب ، أمتي يا رب ، فيقال : يا محمد ، أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب [ ص: 28 ] الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ، ثم قال : والذي نفسي بيده ، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير ، أو كما بين مكة وبصرى .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " عبدا شكورا " ، ومحمد بن مقاتل المروزي ، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ، وأبو حيان بفتح الحاء المهملة ، وتشديد الياء آخر الحروف واسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي تيم الرباب الكوفي ، وأبو زرعة هو هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى مختصرا في أحاديث الأنبياء عليهم السلام ، عن إسحاق بن نصر ، عن محمد بن عبيد ، عن أبي حيان ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، ومضى الكلام فيه هناك ، ولنتكلم فيما لم يذكر .

                                                                                                                                                                                  قوله : "فنهس" من النهس ، وهو أخذ اللحم بأطراف الأسنان ، والنهش بالمعجمة الأخذ بجميعها ، قوله : "مم ذلك" ، ويروى : مم ذاك ، قوله : "يسمعهم" من الإسماع ، قوله : "وينفذهم" بضم الياء أي يحيط بهم بصر الناظر لا يخفى عليه شيء لاستواء الأرض ، وعدم الحجاب ، قوله : "ولن يغضب" ، ويروى : "ولا يغضب" ، قوله : "وإنه نهاني" ، ويروى : "وإنه قد نهاني" ، قوله : "نفسي نفسي نفسي" ثلاث مرات ، قوله : "فذكرهن أبو حيان" أي فذكر الثلاث الكذبات أبو حيان الراوي المذكور ، وهي قوله "إني سقيم ، و "بل فعله كبيرهم ، و "إنها أختي" في حق سارة انتهى ، قوله : "لم أومر" على صيغة المجهول ، قوله : "تشفع" على صيغة المجهول من التشفع، وهو قبول الشفاعة ، قوله : "أدخل" أمر من الإدخال ، قوله : "وحمير" بكسر الحاء المهملة ، وسكون الميم ، وفتح الياء آخر الحروف هو باليمن ، وبصرى بضم الباء مدينة بالشام .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية