الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      108 حدثنا محمد بن داود الإسكندراني حدثنا زياد بن يونس حدثني سعيد بن زياد المؤذن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال سئل ابن أبي مليكة عن الوضوء فقال رأيت عثمان بن عفان سئل عن الوضوء فدعا بماء فأتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثا واستنثر ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ثم غسل يده اليمنى ثلاثا وغسل يده اليسرى ثلاثا ثم أدخل يده فأخذ ماء فمسح برأسه وأذنيه فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة ثم غسل رجليه ثم قال أين السائلون عن الوضوء هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ قال أبو داود أحاديث عثمان رضي الله عنه الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا وقالوا فيها ومسح رأسه ولم يذكروا عددا كما ذكروا في غيره حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى أخبرنا عبيد الله يعني ابن أبي زياد عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة أن عثمان دعا بماء فتوضأ فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما إلى الكوعين قال ثم مضمض واستنشق ثلاثا وذكر الوضوء ثلاثا قال ومسح برأسه ثم غسل رجليه وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل ما رأيتموني توضأت ثم ساق نحو حديث الزهري وأتم

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( الإسكندراني ) : بالكسر وسكون السين والنون وفتح الكاف والدال المهملة والراء منسوب إلى الإسكندرية : بلد على طرف بحر المغرب من آخر حد ديار مصر ( ابن أبي مليكة ) : بضم الميم وفتح اللام : هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي ثقة ( فقال ) : أي ابن أبي مليكة ( فأتي ) : بصيغة المجهول ( بميضأة ) : بكسر الميم وسكون الياء وفتح الضاد فهمزة فهاء : إناء التوضؤ تسع ماء قدر ما يتوضأ به ، وهي بالقصر مفعلة وبالمد مفعالة .

                                                                      كذا في مجمع البحار ( ثم أدخل يده ) : في الميضأة ( فأخذ ماء ) : جديدا ( فمسح برأسه وأذنيه ) : وفيه مسح الأذنين بماء مسح به الرأس ( فغسل ) : أي مسح ، وفيه إطلاق الغسل على المسح والفاءات العاطفة في جميع ما تقدم للترتيب المعنوي ، وهو أن يكون ما بعدها حاصلا بعد ما قبلها في الواقع وأما الفاء في قوله فغسل للترتيب الذكري وهو عطف مفصل على مجمل ، فهي تفصل ما أجمل في مسح الأذنين وتبين كيفية مسحهما ( بطونهما ) : أي داخل الأذن اليمنى واليسرى مما يلي الوجه ( وظهورهما ) : أي خارج الأذنين مما يلي الرأس ( مرة واحدة ) : أي مسح الرأس والأذنين مرة واحدة ولم [ ص: 149 ] يمسحهما ثلاثا ( أحاديث عثمان ) : التي هي ( الصحاح ) : أي صحيحة لا مطعن فيها ( كلها ) : خبر لقوله ( أحاديث ) ( أنه ) : أي المسح كان ( مرة ) : واحدة دون الثلاث ( فإنهم ) : أي الناقلين لوضوء عثمان ، كعطاء بن يزيد عن حمران عن عثمان وكأبي علقمة عن عثمان ( ثلاثا ) : لكل عضو ( وقالوا ) : هؤلاء ( فيها ) : في أحاديثهم ( لم يذكروا عددا ) : لمسح الرأس ( كما ذكروا ) : عدد الغسل ( في غيره ) : أي في غير مسح الرأس ، كغسل اليدين والوجه والرجلين ، فإنهم ذكروا فيها التثليث ، فثبت بذلك أن المسح كان مرة واحدة ، لأنه لو كان عثمان رضي الله عنه زاد عليها لذكره الراوي ، بل ذكر ابن أبي مليكة عن عثمان أنه مسح برأسه مرة واحدة .

                                                                      قال الحافظ في الفتح : وقول أبي داود إن الروايات الصحيحة عن عثمان ليس فيها عدد لمسح الرأس وإنه أورد العدد من طريقين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره ، والزيادة من الثقة مقبولة ، فيحمل قول أبي داود على إرادة استثناء الطريقين اللذين ذكرهما ، فكأنه قال : إلا هذين الطريقين .

                                                                      قلت : كأنه يشير بقوله صحح أحدهما ابن خزيمة إلى حديث عبد الرحمن بن وردان عن حمران عن عثمان فإن سنده صحيح وفيه تثليث مسح الرأس وأما الحديث الثاني فيأتي قريبا من رواية عامر بن شقيق وهو ضعيف .

                                                                      قال : وليس في شيء من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح ، وبه قال أكثر العلماء .

                                                                      وقال الشافعي : يستحب التثليث في المسح كما في الغسل ، واستدل له بظاهر رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا .

                                                                      وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول .

                                                                      وقال ابن المنذر : إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة واحدة وبأن المسح مبني على التخفيف ، فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ ، وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل ، إذ حقيقة الغسل جريان الماء .

                                                                      والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء ، وبالغ أبو عبيدة فقال : لا نعلم أحدا من السلف استحب تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيمي ، وفيما قاله نظر .

                                                                      فقد نقله ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا الأزرق عن أبي العلاء عن قتادة عن أنس : " أنه كان يمسح على [ ص: 150 ] الرأس ثلاثا ، يأخذ لكل مسحة ماء جديدا " ، وأخرجه أيضا عن سعيد بن جبير وعطاء وزاذان وميسرة ، وكذا نقله ابن المنذر .

                                                                      وقال ابن السمعاني في الاصطلام : اختلاف الرواية يحمل على التعدد ، فيكون مسح تارة مرة وتارة ثلاثا ، فليس في رواية مسح مرة حجة على منع التعدد .

                                                                      قلت : التحقيق في هذا الباب أن أحاديث المسح مرة واحدة أكثر وأصح ، وأثبت من أحاديث تثليث المسح ، وإن كان حديث التثليث أيضا صحيحا من بعض الطرق ، لكنه لا يساويها في القوة .

                                                                      فالمسح مرة واحدة هو المختار والتثليث لا بأس به .

                                                                      قال البيهقي : روي من أوجه غريبة عن عثمان ، وفيها مسح الرأس ثلاثا إلا أنها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة وإن كان بعض أصحابنا يحتج بها .

                                                                      ومال ابن الجوزي في كشف المشكل إلى تصحيح التكرير ، وقد ورد التكرار في حديث علي من طرق منها عند الدارقطني من طريق عبد خير وهو من رواية أبي يوسف القاضي والدارقطني من طريق عبد الملك عن عبد خير أيضا " ومسح برأسه وأذنيه ثلاثا " ومنها عند البيهقي في الخلافيات من طريق أبي حية عن علي وأخرجه البزار أيضا ، ومنها عند البيهقي في السنن من طريق محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي في صفة الوضوء ، ومنها عند الطبراني في مسند الشاميين من طريق عثمان بن سعيد الخزاعي عن علي في صفة الوضوء ، وفيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف . كذا في التلخيص .

                                                                      ( إلى الكوعين ) : الكوع بضم الكاف على وزن قفل .

                                                                      قال الأزهري : هو طرف العظم الذي على رسغ اليد المحاذي للإبهام ، وهما عظمان متلاصقان في الساعد أحدهما أدق من الآخر وطرفاهما يلتقيان عند مفصل الكف ، فالذي يلي الخنصر يقال له الكرسوع والذي يلي الإبهام يقال له الكوع ، وهما عظما ساعد الذراع ، كذا في المصباح ( قال ) : أي أبو علقمة ( ثم مضمض ) : عثمان ( واستنشق ثلاثا ) : أي أدخل الماء في أنفه بأن جذبه بريح أنفه ، ومعنى الاستنثار : إخراج الماء من الأنف بريحه بإعانة يده أو بغيرها بعد إخراج الأذى لما فيه من تنقية مجرى النفس ( وذكر ) : أي أبو علقمة ( الوضوء ثلاثا ) : يعني غسل بقية الأعضاء المغسولة في الوضوء كالوجه واليدين إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا ( قال ) : أبو علقمة ( ومسح ) : عثمان ( برأسه ) : وهذا مطلق من غير تقييد بالثلاث ، فيحمل [ ص: 151 ] على المرة الواحدة كما جاءت في الروايات الصحيحة ( ثم ساق ) : أي أبو علقمة حديثه هذا ( نحو حديث الزهري ) : أي بذكر الصلاة والتبشير لفاعلها ( وأتم ) : الحديث وهو تأكيد لقوله ساق .

                                                                      والحديث ما أخرجه أحد من الأئمة الخمسة .

                                                                      قال المنذري : في إسناده عبيد الله بن أبي زياد المكي وفيه مقال .




                                                                      الخدمات العلمية