الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
20576 8954 - (21081) - (5\112) عن محمد بن جعفر بن الزبير، قال: سمعت زياد بن ضمرة بن سعد السلمي، يحدث عروة بن الزبير، قال: حدثني أبي، وجدي، وكانا قد شهدا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالا: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، ثم جلس إلى ظل شجرة، فقام إليه الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن بن بدر يطلب بدم الأشجعي عامر بن الأضبط، وهو يومئذ سيد قيس، والأقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة لخندف، فاختصما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا، وخمسين إذا رجعنا " قال: يقول عيينة: والله يا رسول الله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزن ما أذاق نسائي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل تأخذون الدية ". فأبى عيينة، فقام رجل من ليث يقال له: مكيتل، رجل قصير مجموع، فقال: يا نبي الله، [ ص: 317 ] ما وجدت لهذا القتيل شبيها في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرمي أولها فنفر آخرها، اسنن اليوم وغير غدا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم قال: " بل تقبلون الدية في سفرنا هذا خمسين، وخمسين إذا رجعنا " فلم يزل بالقوم حتى قبلوا الدية، قال: فلما قبلوا الدية، قال: قالوا: أين صاحبكم يستغفر له رسول الله؟ فقام رجل آدم طويل ضرب، عليه حلة كان تهيأ للقتل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جلس، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما اسمك؟ " قال: أنا محلم بن جثامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا تغفر لمحلم، اللهم لا تغفر لمحلم " ثلاث مرات، فقام من بين يديه، وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه، فأما نحن بيننا فنقول: قد استغفر له، ولكنه أظهر ما أظهر، ليدع الناس بعضهم عن بعض.

التالي السابق


* قوله : "يطلب بدم الأشجعي": ضمير "يطلب" لعيينة.

* "عن محلم": ضبط: - على لفظ اسم الفاعل - من التحليم.

* "جثامة": - بفتح جيم وتشديد مثلثة - .

* "لخندف": ضبط: - بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وكسر الدال - : اسم قبيلة؛ أي: لأجلها.

* "أذيق": من الإذاقة.

* "من الحزن": - بفتحتين، أو بضم فسكون - يريد: أنه لا يرضى إلا بالقصاص، ولا يقبل الدية.

* "مكيتل": ضبط: - بالتصغير - .

* "في غرة الإسلام": أي: في أوله؛ كغرة الشهر لأوله.

* "فرمي أولها": - على بناء المفعول - أي: فلذلك ينبغي أن تقتل هذا في الأول حتى يكون قتله عظة وعبرة للآخرين.

* "اسنن": صيغة أمر من سن سنة؛ من باب نصر، وهذا مثل ثان ضربه لترك [ ص: 318 ] القتل؛ كما أن الأول ضربه للقتل، ولذلك ترك العطف، ومعناه: قرر حكمك اليوم، وغيره غدا؛ أي: إن تركت القصاص اليوم في أول ما شرع، واكتفيت بالدية، ثم أجريت القصاص على أحد، يصير ذلك كهذا المثل، والحاصل: إن قتلت اليوم، يصير مثله مثل غنم، وإن تركت اليوم، يصير مثله كهذا المثل.

* "ثم قال: بل تقبلون": أي: أعرض عن مقالته، واشتغل بتقرير الدية، وكأنه كره القتل في السفر مع قلة الناس في ذلك الوقت، والله تعالى أعلم.

. * * *




الخدمات العلمية