الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ عاصم وحمزة والكسائي : ( يصلحا ) بضم الياء وكسر اللام وحذف الألف من الإصلاح ، والباقون : ( يصالحا ) بفتح الياء والصاد ، والألف بين الصاد واللام ، وتشديد الصاد من التصالح ، ويصالحا في الأصل هو يتصالحا ، فسكنت التاء وأدغمت في الصاد ، ونظيره قوله : ( إذا اداركوا فيها ) [الأعراف : 38] . أصله : تداركوا سكنت التاء ، وأبدلت بالدال ؛ لقرب المخرج وأدغمت في الدال ، ثم اجتلبت الهمزة للابتداء بها فصار اداركوا .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 53 ] إذا عرفت هذا فنقول : من قرأ : ( يصلحا ) فوجهه أن الإصلاح عند التنازع والتشاجر مستعمل قال تعالى : ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم ) [البقرة : 182] ، وقال : ( أو إصلاح بين الناس ) [النساء : 114] ، ومن قرأ : يصالحا وهو الاختيار عند الأكثرين قال : أن يصالحا معناه يتوافقا ، وهو أليق بهذا الموضع ، وفي حرف عبد الله : فلا جناح عليهما أن صالحا ، وانتصب صلحا في هذه القراءة على المصدر وكان الأصل أن يقال : تصالحا ، ولكنه ورد كما في قوله : ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ) [نوح : 17] ، وقوله : ( وتبتل إليه تبتيلا ) [المزمل : 8] ، وقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                            وبعد عطائك المائة الرتاعا

                                                                                                                                                                                                                                            .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : الصلح إنما يحصل في شيء يكون حقا له ، وحق المرأة على الزوج ؛ إما المهر أو النفقة أو القسم ، فهذه الثلاثة هي التي تقدر المرأة على طلبها من الزوج شاء أم أبى ، أما الوطء فليس كذلك ؛ لأن الزوج لا يجبر على الوطء .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : هذا الصلح عبارة عما إذا بذلت المرأة كل الصداق أو بعضه للزوج ، أو أسقطت عنه مؤنة النفقة ، أو أسقطت عنه القسم ، وكان غرضها من ذلك أن لا يطلقها زوجها ، فإذا وقعت المصالحة على ذلك كان جائزا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية