الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إذا رأتهم من مكان بعيد الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : إذا رأتهم من مكان بعيد قال : من مسيرة مائة عام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، من طريق مكحول عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعدا من بين عيني جهنم» قالوا : يا رسول الله، وهل لجهنم من عين؟ قال : «نعم، أما سمعتم الله [ ص: 141 ] يقول إذا رأتهم من مكان بعيد ؟ فهل تراهم إلا بعينين» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، من طريق خالد بن دريك، عن رجل من الصحابة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من يقل علي ما لم أقل أو ادعى إلى غير والديه، أو انتمى إلى غير مواليه، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا» . قيل : يا رسول الله، وهل لها من عينين؟ قال : «نعم، أما سمعتم الله يقول : إذا رأتهم من مكان بعيد » .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، بسند صحيح، عن ابن عباس قال : إن العبد ليجر إلى النار، فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف، وإن الرجل من أهل النار ما بين شحمة أذنيه وبين منكبيه مسيرة سبعين سنة، وإن فيها لأودية من قيح تكال ثم تصب في فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عبيد بن عمير في قوله : سمعوا لها تغيظا وزفيرا قال : إن جهنم [ ص: 142 ] لتزفر زفرة، لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل، إلا خر ترعد فرائصه، حتى إن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول : يا رب، لا أسألك اليوم إلا نفسي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن وهب في "الأهوال"، عن العطاف بن خالد قال : يؤتى بجهنم يومئذ يأكل بعضها بعضا، يقودها سبعون ألف ملك، فإذا رأت الناس فذلك قوله : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا زفرت زفرة، لا يبقى نبي ولا صديق إلا برك لركبتيه ويقول : يا رب، نفسي نفسي ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أمتي أمتي» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ في "العظمة" عن مغيث بن سمي قال : ما خلق الله من شيء إلا وهو يسمع زفير جهنم غدوة وعشية، إلا الثقلين الذين عليهم الحساب والعقاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج آدم بن أبي إياس في "تفسيره"، عن ابن عباس في قوله : إذا رأتهم من مكان بعيد قال : من مسيرة مائة عام، وذلك إذا أتي بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، يشد بكل زمام سبعون ألف ملك، لو تركت لأتت على كل بر وفاجر، سمعوا لها تغيظا وزفيرا تزفر زفرة لا تبقى قطرة من دمع إلا بدرت، ثم تزفر الثانية فتنقطع القلوب من أماكنها، وتبلغ القلوب الحناجر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 143 ] وأخرج أبو نعيم في "الحلية" عن كعب قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ونزلت الملائكة صفوفا، فيقول الله لجبريل : ائت بجهنم . فيأتي بها تقاد بسبعين ألف زمام، حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق، ثم زفرت ثانية فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل، إلا جثى لركبتيه، ثم تزفر الثالثة، فتبلغ القلوب الحناجر وتذهل العقول، فيفزع كل امرئ إلى عمله، حتى إن إبراهيم عليه السلام يقول : بخلتي لا أسألك إلا نفسي، ويقول موسى : بمناجاتي لا أسألك إلا نفسي، ويقول عيسى : بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي، لا أسألك مريم التي ولدتني، ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول : «أمتي أمتي، لا أسألك اليوم نفسي» . فيجيبه الجليل جل جلاله : إن أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فوعزتي لأقرن عينك في أمتك . ثم تقف الملائكة بين يدي الله تعالى ينتظرون ما يؤمرون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية