الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2091 (10) باب

                                                                                              غسل المحرم رأسه

                                                                                              [ 1075 ] عن عبد الله بن حنين ، عن عبد الله بن عباس ، والمسور بن مخرمة ، أنهما اختلفا بالأبواء ، فقال عبد الله بن عباس: يغسل المحرم رأسه ، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه . فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أن أسأله عن ذلك .فوجدته يغتسل بين القرنين ، وهو يستتر بثوب . قال: فسلمت عليه ، فقال: من هذا ؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يغسل رأسه وهو محرم ؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا إلي رأسه ، ثم قال: لإنسان يصب : اصبب فصب على رأسه ، ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، ثم قال: هكذا رأيته - صلى الله عليه وسلم- يفعل .

                                                                                              وفي رواية : قال: فأمر أبو أيوب بيديه على رأسه جميعا على جميع رأسه ، فأقبل بهما وأدبر ، فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبدا .


                                                                                              رواه البخاري (1840)، ومسلم (1205) (59)، وأبو داود (1840)، والنسائي (5 \ 128)، وابن ماجه (2934) .

                                                                                              [ ص: 291 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 291 ] (10) ومن باب: غسل المحرم رأسه

                                                                                              اختلاف ابن عباس والمسور لم يكن في جواز أصل غسل الرأس ; لأنه من المعلوم عندهما وعند غيرهما : أنه يغتسل من الجنابة إن أصابته ، ويغتسل لدخول مكة ، وللوقوف بعرفة . وإنما كان الاختلاف بينهما في كيفيته . فهل يدلكه ، أو لا يدلكه ؟ لأنه يخاف منه قتل الهوام ، أو إنقاؤها عن رأسه وجسده وإزالة الشعث . ولإمكان هذه الأمور منع منه المسور ، ولم يلتفت ابن عباس إلى إمكان تلك الأمور ; لأنه إذا ترفق في ذلك سلم مما يتقى من تلك الأمور . وقد كان ابن عباس علم ذلك من حديث أبي أيوب ، ولذلك أحال عليه ، وأرسل إليه ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              و (القرنان) : هما الخشبتان القائمتان على رأس البئر ، أو شبههما من البناء ، تمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل ; ليستقى عليه ، أو لتعلق عليه البكرة .

                                                                                              وقوله : ( ثم قال لإنسان يصب : اصبب فصب ) ; دليل على جواز [ ص: 292 ] الاستعانة بالصاحب والخادم في الطهارة .

                                                                                              وقوله : ( ثم حرك رأسه بيديه ، فأقبل بهما وأدبر ) ; يدل لابن عباس على صحة ما ذهب إليه : من أن المحرم يغتسل ، ويغسل رأسه ، ويدلكه . وعليه الجمهور . وقد روي عن مالك كراهية ذلك لغير الجنابة . وذلك لما ذكر آنفا . وفيه دليل لمالك على اشتراط التدلك بالغسل ; لأنه لو جاز الغسل بغير تدلك لكان المحرم أحق بأن يجاز له ترك التدلك ، ولم فلا . وفيه دليل : على أن حقيقة الغسل لغة لا يكفي فيه صب الماء فقط ، بل لا بد من الدلك ، أو ما يتنزل منزلته .

                                                                                              وقوله : ( لا أماريك أبدا ) ; أي : لا أجادلك ، ولا أخاصمك .




                                                                                              الخدمات العلمية