الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو القاسم شاهنشاه ، الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي ، مدبر دولة الفاطميين بمصر ، وإلى أبيه تنسب قيسارية أمير الجيوش ، العامة تقول : مرجيوش . وأبوه باني الجامع الذي بثغر الإسكندرية بسوق العطارين ، ومشهد الرأس بعسقلان أيضا ، وكان أبوه نائب المستنصر على مدينة صور وقيل : على عكا ، ثم استدعاه إليه في فصل الشتاء ، فركب البحر ، فاستنابه على ديار مصر ، فسدد الأمور بعد فسادها ، ومات في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، وقام في الوزارة بعده ولده الأفضل هذا ، فكان كأبيه في الشهامة والصرامة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 253 ] ولما مات المستنصر أقام المستعلي واستمرت الأمور على يديه ، وكان عادلا حسن السيرة ، موصوفا بجودة السريرة ، فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ضربه فداوي وهو راكب فقتله في رمضان من هذه السنة ، عن سبع وخمسين سنة ، وكانت إمارته من ذلك بعد أبيه ثمان وعشرين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت داره دار الوكالة اليوم بمصر ، وقد وجدت له أموال عظيمة جدا تفوق العد والإحصاء ; من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث والنفائس ، فانتقل ذلك كله إلى الخليفة الفاطمي ، فجعل في خزانته ، وذهب جامعه إلى سواء الحساب على الفتيل من ذلك والنقير والقطمير . واعتاض عنه الخليفة بأبي عبد الله البطائحي ولقب المأمون

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال القاضي ابن خلكان : ترك الأفضل من الذهب العين ستمائة ألف ألف دينار ، ومن الدراهم مائتين وخمسين إردبا ، وسبعين ألف ثوب ديباج أطلس ، وثلاثين راحلة أحقاق ذهب عراقي ، ودواة ذهب فيها جوهرة باثني عشر ألف دينار ، ومائة مسمار ذهب ; زنة كل مسمار مائة مثقال ، في عشرة مجالس ; على كل مسمار منديل مشدود بذهب ، كل منديل على لون من الألوان من ملابسه ، وخمسمائة صندوق كسوة للبس بدنه . قال : وخلف من الرقيق والخيل والبغال والمراكب والمسك والطيب والحلي ما لا يعلم قدره إلا الله عز وجل ، وخلف من البقر والجواميس والغنم ما يستحيى من ذكر عده ، وبلغ ضمان ألبانها في السنة ثلاثين ألف دينار ، وترك صندوقين كبيرين فيهما إبر ذهب برسم النساء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 254 ] عبد الرزاق بن عبد الله بن علي بن إسحاق الطوسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن أخي نظام الملك
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، تفقه بإمام الحرمين ، وأفتى ودرس وناظر ، ووزر للملك سنجر ، وتوفي في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خاتون السفرية

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حظية السلطان ملكشاه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهي أم السلطانين محمد وسنجر ، كانت كثيرة الصدقة والإحسان إلى الناس ، لها في كل سنة سبيل يخرج مع الحجاج ، وفيها دين وخير ، ولم تزل تبحث حتى عرفت مكان أمها وأهلها ، فبعثت الأموال الجزيلة حتى استحضرتهم ، ولما قدمت عليها أمها كان لها عنها أربعون سنة لم ترها ، فأحبت أن تستعلم فهمها ، فجلست بين جواريها ، فلما سمعت أمها كلامها عرفتها ، فقامت إليها فاعتنقا وبكيا ، ثم أسلمت أمها على يديها ، جزاها الله خيرا وأحسن إليها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تفردت بولادة ملكين في دولة الأتراك والعجم ، ولا يعرف لها نظير إلا اليسير ; من ذلك : ولادة بنت العباس ولدت لعبد الملك الوليد وسليمان وشاهفرند ، ولدت للوليد يزيد وإبراهيم وليا الخلافة أيضا ، والخيزران ولدت للمهدي الهادي والرشيد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الطغرائي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ناظم " لامية العجم " الحسين بن علي بن عبد الصمد [ ص: 255 ] مؤيد الدين الأصبهاني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العميد فخر الكتاب المنشئ الشاعر المعروف بالطغرائي ، وقد ولي الوزارة بإربل مدة ، أورد له القاضي ابن خلكان قصيدته اللامية التي ألفها في سنة خمس وخمسمائة في بغداد ، يشرح فيها أحواله وأموره ، وتعرف بلامية العجم أولها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أصالة الرأي صانتني عن الخطل وحلية الفضل زانتني لدى العطل     مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل     فيم الإقامة بالزوراء لا سكني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد سردها القاضي ابن خلكان بكمالها وأورد له غير ذلك من الشعر أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية