الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وهذا الباب لم يقصد فيه شيء من هذه الأوجه الستة ، وإنما قصد فيه بيان ما يجوز الوقف عليه بالسكون وبالروم وبالإشمام خاصة .

                                                          ( فأما السكون ) فهو الأصل في الوقف على الكلم المتحركة وصلا لأن معنى الوقف الترك والقطع من قولهم وقفت عن كلام فلان . أي تركته ، وقطعته .

                                                          [ ص: 121 ]

                                                          ولأن الوقف أيضا ضد الابتداء فكما يختص الابتداء بالحركة كذلك يختص الوقف بالسكون فهو عبارة عن تفريغ الحرف من الحركات الثلاث ، وذلك لغة أكثر العرب ، وهو اختيار جماعة من النحاة وكثير من القراء .

                                                          ( وأما الروم ) فهو عند القراء عبارة عن النطق ببعض الحركة . وقال : بعضهم هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب معظمها ، وكلا القولين واحد ، وهو عند النحاة عبارة عن النطق بالحركة بصوت خفي . وقال الجوهري في صحاحه : روم الحركة الذي ذكره سيبويه هو حركة مختلسة مخفاة بضرب من التخفيف قال : وهي أكثر من الإشمام لأنها تسمع ، وهي بزنة الحركة وإن كانت مختلسة مثل همزة بين بين انتهى .

                                                          والفرق بين العبارتين سيأتي وفائدة الخلاف بين الفريقين ستظهر .

                                                          ( وأما الإشمام ) فهو عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير تصويت ، وقال بعضهم : أن تجعل شفتيك على صورتها إذا لفظت بالضمة . وكلاهما واحد ، ولا تكون الإشارة إلا بعد سكون الحرف . وهذا مما لا يختلف فيه " نعم " حكي عن الكوفيين أنهم يسمون الإشمام روما والروم إشماما ; قال مكي : وقد روي عن الكسائي الإشمام في المخفوض . قال : وأراه يريد به الروم لأن الكوفيين يجعلون ما سميناه روما إشماما وما سميناه إشماما روما . وذكر نصر بن علي الشيرازي في كتابه الموضح أن الكوفيين ومن تابعهم ذهبوا إلى أن الإشمام هو الصوت ، وهو الذي يسمع لأنه عندهم بعض حركة . والروم هو الذي لا يسمع لأنه روم الحركة من غير تفوه به ، قال : والأول هو المشهور عند أهل العربية انتهى . ولا مشاحة في التسمية إذا عرفت الحقائق . وأما قول الجوهري في الصحاح : إشمام الحرف أن تشمه الضمة ، أو الكسرة ، وهو أقل من روم الحركة لأنه لا يسمع ، وإنما يتبين بحركة الشفة العليا ، ولا يعتد بها حركة لضعفها ، والحرف الذي فيه الإشمام ساكن ، أو كالساكن انتهى . وهو خلاف ما يقوله الناس في حقيقة

                                                          [ ص: 122 ] الإشمام ، وفي محله فلم يوافق مذهبا من المذهبين . وقد ورد النص في الوقف إشارتي الروم ، والإشمام عنأبي عمرو وحمزة والكسائي وخلف بإجماع أهل النقل ، واختلف في ذلك عن عاصم فرواه عنه نصا الحافظ أبو عمرو والداني ، وغيره . وكذلك حكاه عنه ابن شيط عن أئمة العراقيين . وهو الصحيح عنه ، وكذلك رواه الشطوي نصا عن أصحابه عن أبي جعفر ، وأما غير هؤلاء فلم يأت عنهم في ذلك نص إلا أن أئمة أهل الأداء ومشايخ الإقراء اختاروا الأخذ بذلك لجميع الأئمة فصار الأخذ بالروم ، والإشمام إجماعا منهم سائغا لجميع القراء بشروط مخصوصة في مواضع معروفة وباعتبار ذلك انقسم الوقف على أواخر الكلم ثلاثة أقسام : قسم لا يوقف عليه عند أئمة القراءة إلا بالسكون ، ولا يجوز فيه روم ، ولا إشمام ، وهو خمسة أصناف :

                                                          ( أولها ) ما كان ساكنا في الوصل نحو فلا تنهر ، ولا تمنن ، ومن يعتصم ، ومن يهاجر ، ومن يقاتل فيقتل أو يغلب .

                                                          ( ثانيها ) ما كان في الوصل متحركا بالفتح غير منون ، ولم تكن حركته منقولة نحو لا ريب ، و إن شاء الله ، و يؤمنون ، وآمن ، وضرب .

                                                          ( ثالثها ) الهاء التي تلحق الأسماء في الوقف بدلا من تاء التأنيث نحو الجنة ، والملائكة ، و القبلة ، و لعبرة ، و مرة .

                                                          ( رابعها ) ميم الجمع في قراءة من حركه في الوصل ووصله ، وفي قراءة من لم يحركه ، ولم يصله نحو " عليهم آنذرتهم أم لم تنذرهم ، و فيهم ، وأنهم ، وبهم ، وأنهم ، و على قلوبهم ، وعلى سمعهم ، وعلى أبصارهم " وشذ مكي فأجاز الروم ، والإشمام في ميم الجمع لمن وصلها قياسا على هاء الضمير وانتصر لذلك وقواه . وهو قياس غير صحيح لأن هاء الضمير كانت متحركة قبل الصلة بخلاف الميم بدليل قراءة الجماعة فعوملت حركة الهاء في الوقف معاملة سائر الحركات ، ولم يكن للميم حركة فعوملت بالسكون فهي كالذي تحرك لالتقاء الساكنين .

                                                          ( خامسها ) المتحرك في الوصل بحركة عارضة إما للنقل نحو وانحر إن ، و من إستبرق ، فقد أوتي ، قل أوحي ، و خلوا إلى ، و ذواتي أكل ، وإما لالتقاء الساكنين في الوصل نحو قم الليل [ ص: 123 ] وأنذر الناس . ولقد استهزئ ، و لم يكن الذين ، و من يشأ الله ، و اشتروا الضلالة ، وعصوا الرسول ، ومن يومئذ ، و حينئذ لأن كسرة الذال إنما عرضت عند لحاق التنوين فإذا زال التنوين في الوقف رجعت الذال إلى أصلها من السكون ، وهذا بخلاف كسرة هؤلاء وضمة من قبل ومن بعد فإن هذه الحركة وإن كانت لالتقاء الساكنين لكن لا يذهب ذلك الساكن في الوقف لأنه من نفس الكلمة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية