الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( الفصل الثالث في سنن الاجتماع والعمران وفيه بضعة عشر شاهدا ) :

                          ( سنة الله في توبة الأمم من الذنوب كالأفراد ) ( الشاهد الأول ) أمر القرآن الأمم كالأفراد باستغفار الرب والتوبة إليه من كل ذنب في الآيات 3 و 52 و 90 ، وجعلهما سببا وشرطا لما وعدنا به من التمتيع المادي والفضل المعنوي في الأولى ، ومن إدرار الغيث وزيادة القوة في الثانية بصراحة المنطوق ، وما في معناها من حفظ النعم بدلالة المفهوم في الثالثة ، فالآيات الثلاث بيان لسنة من سنن الاجتماع ، وهو أن الصلاح والإصلاح سبب لارتقاء الأقوام والأمم وحفظها ، كما أنه سبب لارتقاء الأفراد ، والخطاب هنا للأقوام لا للأفراد ، وما كل فرد يعاقب على ذنوبه في الدنيا ، ولكن كل أمة تعاقب على ذنبها في الدنيا ، وعقابها نوعان فصلناهما من قبل ( أحدهما ) ديني ، وهو ما تقدم من إهلاك أقوام الرسل بتكذيبهم لهم وظلمهم لأنفسهم حسب إنذارهم ، ومثاله عقاب الحكام لمخالفي شرائعهم وقوانين حكومتهم . ( وثانيهما ) أثر طبيعي اجتماعي لذنبها الذي يتحقق بفشوه فيها ، كما بيناه في تفسير هذه السورة وغيرها مفصلا ، ونذكره في شواهد هذا الفصل مجملا ، وقد كانت هذه السنة معروفة للمهتدين بالقرآن من سلفنا الصالح ، ومن الآثار المروية عن العباس - رضي الله عنه - أنه لما قدمه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على نفسه في صلاة الاستسقاء لتذكير المؤمنين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لقربه وشبهه به فتخشع قلوبهم ، كان مما قاله العباس في دعائه : اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يرفع إلا بتوبة . إلخ .

                          أما كون الظلم والبغي والفساد في الأرض سببا لانحطاط الأمم وضعفها وهلاكها ، فسيأتي في آخر هذا الفصل ، وأما كونه سببا لقلة المطر والقحط أو الطوفان والجوائح فليس مما ثبت في علم الاجتماع ; لأن الانقلابات الجوية لا يعرف لها البشر اتصالا بالذنوب الشخصية ولا القومية التي توصف بالاجتماعية . ولقد شرحنا هذه المسألة في العلاوة الرابعة لحادثة الطوفان .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية