الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وقال الحنفية : إن جامع بعد الوقوف لم يفسد حجه ولم يضمن النفقة ، لحصول مقصود الأمر ، وعلى الحاج دم جنايته ، لأنه الجاني عن اختيار ، وكذا سائر دماء الكفارات ، وللشافعية خلاف : هل المشروط كالشرعي ؟ فلو عينا الكوفة لزم الأجير الدم بمجاوزتها ، في الأصح المنصوص ، فلا ينجبر به الخلل حتى لا تنقص الأجرة ، في أصح القولين ، فيوزع المسمى على حجة من بلدة الكوفة إحرامها منه ، وعلى حجة من بلده إحرامها من حيث أحرم ، وإن لم يلزم الدم نقص قسط من الأجرة . وكذا لو لزمه دم بترك مأمور . ولا تنقص بفعل محظور ، وإن شرط الإحرام أول شوال فأخره فالخلاف ، وكذا لو شرط أن يحج ماشيا فحج راكبا ، لأنه ترك مقصودا ، كذا خصوا هذه المسألة بالذكر ، وينبغي أن [ ص: 264 ] يكون عكسها مثلها وأولى ، لأن الحج راكبا أفضل عندهم ، ولهم فيه قصد صحيح ، قالوا : ولو صرف إحرامه إلى نفسه ظنا منه ينصرف وأتم الحج على هذا لم يضر ، وقيل : لا يستحق أجرة ، لإعراضه عنها ، وسبق قولهم فيما إذا عين عاما فقدم عليه . ويتوجه أن المال المأخوذ لعمل قربة على وجه النفقة والرزق أو إجارة أو جعالة أو وصية أو وقف سواء ، فإما أن يعتبر الشرط والصفة فيه أو لا ، أو يعتبر الأفضل شرعا لا المفضول . ولا يظهر للتفرقة بين هذه الأبواب وجه شرعي ، ولم أجدهم تعرضوا له . وهذا إلزام للحنفية فإن باب الوصية والوقف واحد ، وقد ذكروا ما سبق في الوصية ، ونحن والشافعية لا نقول به ، وليس الوقف عندهم كذلك ، فما الفرق ؟ ونفرض المسألة فيمن وقف على الحج عنه كل عام ، أو شرط الإحرام من مكان أو في زمان ، فإن قيل فيه ما ذكروه هنا فهو المطلوب ويجب تعميمه في كل وقف على عمل قربة ، وإلا فلا فرق ، ويظهر أنه عسر جدا ، يؤيد ذلك ما يأتي في الوقف من الخلاف فيما أخذ منه لعمل قربة هل هو إجارة أو جعالة أو رزق وإعانة فما خرج حكمه عن ذلك . وهذا عند تأمل العالم المنصف قاطع ، فإن لم يسو بين الجميع أعطي حكم كل باب ما في الآخر بالنقل والتخريج ، وظهر من ذلك حيث [ ص: 265 ] اعتبر في وقف لا يكون تركه مانعا من استحقاق شيء رأسا ، كما قاله بعض الناس ، وقد يقال : إنما يوزع وينقص بقدره ، والله أعلم .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية