الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الركاز يوجد في بلاد المسلمين

( قال الشافعي ) رحمه الله : الركاز دفن الجاهلية أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا حمى إلا لله ورسوله } .

( قال الشافعي ) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ورسوله } لم يكن لأحد أن ينزل بلدا غير معمور فيمنع منه شيئا يرعاه دون غيره وذلك أن البلاد لله عز وجل لا مالك لها من الآدميين ، وإنما سلط الله الآدميين على منع مالهم خاصة لا منع ما ليس لأحد بعينه وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ولرسوله } أن لا حمى إلا حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاح المسلمين الذين هم شركاء في بلاد الله ليس أنه حمى لنفسه دونهم ولولاة الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحموا من الأرض شيئا لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين ، وليس لهم أن يحموا شيئا لأنفسهم دون غيرهم .

( قال الشافعي ) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يقال له هني على الحمى .

( قال الشافعي ) وقول عمر إنهم ليرون أني قد ظلمتهم يقول يذهب رأيهم أني حميت بلادا غير معمورة لنعم الصدقة ولنعم الفيء وأمرت بإدخال أهل الحاجة الحمى دون أهل القوة على المرعى في غير الحمى إلى أني قد ظلمتهم .

( قال الشافعي ) ولم يظلمهم عمر رضي الله عنه وإن رأوا ذلك ، بل حمى على معنى ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الحاجة دون أهل الغنى وجعل الحمى حوزا لهم خالصا كما يكون ما عمر الرجل له خالصا دون غيره ، وقد كان مباحا قبل عمارته فكذلك الحمى لمن حمى له من أهل الحاجة ، وقد كان مباحا قبل يحمى .

قال : وبيان ذلك في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا أنه لم يحم إلا لما يحمل عليه لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين أن يحموا ورأى إدخال الضعيف حقا له دون القوي فكل ما لم يعمر من الأرض فلا يحال بينه وبين المسلمين أن ينزلوا ويرعوا فيه حيث شاءوا إلا ما حمى الوالي لمصلحة عوام المسلمين فجعله لما يحمل عليه في سبيل الله من نعم الجزية وما يفضل من نعم الصدقة فيعده لمن يحتاج إليه من أهلها ، وما يصير إليه من ضوال المسلمين وماشية أهل الضعف دون أهل القوة .

( قال الشافعي ) وكل هذا عام المنفعة بوجوه ; لأن من حمل في سبيل الله فذلك لجماعة المسلمين ومن أرصد له أن يعطي من ماشية الصدقة فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين ، وكذلك من ضعف من المسلمين فرعيت له ماشيته [ ص: 53 ] فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين وأمر عمر رضي الله عنه أن لا يدخل نعم ابن عفان وابن عوف لقوتهما في أموالهما وإنهما لو هلكت ماشيتهما لم يكونا ممن يصير كلا على المسلمين فكذلك يصنع بمن له غنى غير الماشية .

التالي السابق


الخدمات العلمية