الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد أشار سبحانه إلى أن ذلك كان السبب في هلاك القرون من قبل، فقال تعالى:

                                                          وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا .

                                                          الله سبحانه وتعالى يضرب الأمثال بالأمم السابقة من نوح إلى البعث المحمدي، فإن الترف هو الذي دفع المترفين إلى معاندة الأنبياء، واندفاعهم في الأهواء والشهوات، ثم دفعهم ذلك إلى أن غشى قلوبهم فأهلكوا بما أترفوا وبما فسقوا. و(كم) في قوله تعالى: وكم أهلكنا دالة على الكثرة، فهي ليست استفهامية، والمعنى: كثيرا أهلكنا من القرون، وموضع (كم) النصب بـ(أهلكنا)، و (من) بيانية، والقرون جمع قرن، وهو الجيل من الناس، والمعنى كثيرا أهلكنا من الأجيال التي بعد نوح. في أمم الأنبياء الذين أترفوا وفسقوا وعاندوا الأنبياء [ ص: 4355 ] وكفروا بهم وبأمر ربهم، وذكرت الأجيال من بعد نوح؛ لأن نوحا الأب الثاني بعد آدم عليهما السلام، كما قال تعالى: ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا

                                                          ولقد أهلكهم على علم بحالهم، واستحقاقهم للهلاك، ولذا قال تعالى: وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا الباء في (بربك) لتأكيد كفاية علم الله تعالى كقوله تعالى وكفى بالله شهيدا والباء في قوله تعالى: بذنوب متعلقة بقوله تعالى: خبيرا بصيرا وقدمت هي ومجرورها على خبيرا بصيرا لكمال العناية، وللإشارة إلى أن العلم بالذنوب كان دقيقا مبصرا، وذلك لبيان أنه لا ظلم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون والخبرة: العلم الدقيق الذي لا يغيب، وهو علم واضح بين عنده، كالعلم بالأشياء المبصرة عند الناس، ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية