الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب جامع الفدية

                                                                                                          قال مالك فيمن أراد أن يلبس شيئا من الثياب التي لا ينبغي له أن يلبسها وهو محرم أو يقصر شعره أو يمس طيبا من غير ضرورة ليسارة مؤنة الفدية عليه قال لا ينبغي لأحد أن يفعل ذلك وإنما أرخص فيه للضرورة وعلى من فعل ذلك الفدية وسئل مالك عن الفدية من الصيام أو الصدقة أو النسك أصاحبه بالخيار في ذلك وما النسك وكم الطعام وبأي مد هو وكم الصيام وهل يؤخر شيئا من ذلك أم يفعله في فوره ذلك قال مالك كل شيء في كتاب الله في الكفارات كذا أو كذا فصاحبه مخير في ذلك أي شيء أحب أن يفعل ذلك فعل قال وأما النسك فشاة وأما الصيام فثلاثة أيام وأما الطعام فيطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان بالمد الأول مد النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك وسمعت بعض أهل العلم يقول إذا رمى المحرم شيئا فأصاب شيئا من الصيد لم يرده فقتله إن عليه أن يفديه وكذلك الحلال يرمي في الحرم شيئا فيصيب صيدا لم يرده فيقتله إن عليه أن يفديه لأن العمد والخطأ في ذلك بمنزلة سواء قال مالك في القوم يصيبون الصيد جميعا وهم محرمون أو في الحرم قال أرى أن على كل إنسان منهم جزاءه إن حكم عليهم بالهدي فعلى كل إنسان منهم هدي وإن حكم عليهم بالصيام كان على كل إنسان منهم الصيام ومثل ذلك القوم يقتلون الرجل خطأ فتكون كفارة ذلك عتق رقبة على كل إنسان منهم أو صيام شهرين متتابعين على كل إنسان منهم قال مالك من رمى صيدا أو صاده بعد رميه الجمرة وحلاق رأسه غير أنه لم يفض إن عليه جزاء ذلك الصيد لأن الله تبارك وتعالى قال وإذا حللتم فاصطادوا ومن لم يفض فقد بقي عليه مس الطيب والنساء قال مالك ليس على المحرم فيما قطع من الشجر في الحرم شيء ولم يبلغنا أن أحدا حكم عليه فيه بشيء وبئس ما صنع قال مالك في الذي يجهل أو ينسى صيام ثلاثة أيام في الحج أو يمرض فيها فلا يصومها حتى يقدم بلده قال ليهد إن وجد هديا وإلا فليصم ثلاثة أيام في أهله وسبعة بعد ذلك

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          80 - باب جامع الفدية

                                                                                                          ( قال مالك فيمن أراد أن يلبس شيئا من الثياب التي لا ينبغي ) : لا يجوز ( له أن يلبسها ، وهو محرم ، أو يقصر شعره ، أو يمس طيبا من غير ضرورة ليسارة مؤنة الفدية عليه ، قال : لا ينبغي لأحد أن يفعل ذلك ) إذ لا يجوز لأحد أن يأتي الذنب ويكفر ( وإنما أرخص فيه للضرورة على من فعل ذلك الفدية ) إلا أن ذا العذر لا يأثم ، وغيره آثم .

                                                                                                          [ ص: 584 ] ( وسئل مالك عن الفدية من الصيام ، أو الصدقة ، أو النسك أصاحبه بالخيار في ذلك ؟ ) ولو عامدا بلا ضرورة ( وما النسك ؟ وكم الطعام وبأي مد هو ؟ ) بالمد النبوي أم مد هشام ؟ ( وكم الصيام ؟ وهل يؤخر شيئا من ذلك ، أم يفعله في فوره ذلك ؟ قال مالك : كل شيء في كتاب الله في الكفارات كذا ، أو كذا ) بأو ( فصاحبه مخير في ذلك ، أي شيء أحب أن يفعل ذلك فعل ) وقد جاء هذا عن ابن عباس ، قال : " ما كان في القرآن بأو ، فصاحبه بالخيار ، وقد خير النبي - صلى الله عليه وسلم - كعبا في الفدية " رواه سفيان الثوري في تفسيره ، عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عنه ، وروراه ابن جرير عن عطاء وعكرمة ( قال : وأما النسك فشاة ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - لكعب : " أو انسك بشاة " ، والمراد أنها تكفي في النسك ، فأعلى منها أولى في الكفاية من بقر أو إبل بدليل قوله في الرواية الأخرى : أو انسك بما تيسر .

                                                                                                          ( وأما الصيام فثلاثة أيام ، وأما الطعام فيطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان ) مبتدأ وخبر ، وفي نسخة : مدين مفعول يطعم كما ورد ذلك في الحديث المار فهو بيان لمجمل الآية ( بالمد الأول مد النبي ، صلى الله عليه وسلم ) وفي البخاري : حدثنا منذر بن الوليد الجارودي ، قال : حدثنا أبو قتيبة ، قال : حدثنا مالك عن نافع ، قال : " كان ابن عمر يعطي زكاة رمضان بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - المد الأول ، وفي كفارة اليمين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أبو قتيبة : قال لنا مالك : مدنا أعظم من مدكم ، ولا نرى الفضل إلا في مد النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          وقال لنا مالك : لو جاء أمير فضرب مدا أصغر من مد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأي شيء كنتم تعطون ؟ قلت : كنا نعطي بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          وهذا الحديث من البخاري ، وهو غريب ما رواه عن مالك إلا أبو قتيبة ، وهو سلم ، بفتح المهملة وإسكان اللام ، ولا عنه إلا المنذر ، وقوله : أفلا ترى . . . إلخ ، معناه : أنه إذا تعارضت الأمداد الثلاثة الأول ، والحادث ، وهو الهشامي وهو زائد عليه ، والثالث المفروض وقوعه ، وإن لم يقع ، وهو دون الأول كان الرجوع إلى الأول أولى ، لأنه الذي تحققت مشروعيته لنقل أهل المدينة له قرنا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل ، وقد رجع أبو يوسف بمثل هذا إلى قول مالك .

                                                                                                          [ ص: 585 ] ( قال مالك : وسمعت بعض أهل العلم يقول : إذا رمى المحرم فأصاب شيئا من الصيد لم يرده ) المحرم الرامي ( فقتله إن ) بالكسر ، مقول القول ( عليه أن يفديه ، وكذلك الحلال يرمي في الحرم شيئا ، فيصيب صيدا لم يرده ) الرامي ( فيقتله إن عليه أن يفديه ، لأن العمد والخطأ في ذلك بمنزلة سواء ) في الفدية ، لأنه إتلاف والإتلاف مضمون في العمد والخطأ لكن العامد آثم بخلاف المخطئ ، وإليه ذهب الجمهور سلفا ، وخلفا ، كما دل عليه القرآن في العمد وإنه آثم بقوله : ( ليذوق وبال أمره ) ( سورة المائدة : الآية 95 ) وجاءت السنة من أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ أيضا .

                                                                                                          ( قال مالك في القوم يصيبون الصيد جميعا وهم محرمون بحج أو عمرة ) أو في الحرم ( وهم حلال ، قال : أرى أن على كل إنسان منهم جزاؤه إن ) بالكسر ، استئناف ( حكم عليهم بالهدي ، فعلى كل إنسان منهم هدي ، وإن حكم عليهم بالصيام كان على كل إنسان منهم الصيام ) ببدل ذلك ، أو إطعام فعلى كل منهم إطعام وكأنه تركه اكتفاء ( ومثل ذلك القوم يقتلون الرجل خطأ ، فتكون كفارة ذلك عتق رقبة على كل إنسان منهم ، أو صيام شهرين متتابعين على كل إنسان منهم ) لعله أراد أن ذلك مثل قتل الخطأ ، فيكون استدل بالقياس ( قال مالك : من رمى صيدا ، أو صاده بعد رميه الجمرة ، وحلاق رأسه غير أنه لم يفض ) : لم يطف طواف الإفاضة ( إن عليه جزاء ذلك الصيد ، لأن الله تبارك وتعالى ، قال : وإذا حللتم فاصطادوا ومن لم يفض ) : لم يحل الحل الأكبر ( فقد بقي عليه ) [ ص: 586 ] من الممنوع ( مس الطيب والنساء ) الأول كراهة ، والثاني تحريما كالصيد ، لأنه شرط في إباحته في الآية الإحلال .

                                                                                                          ( قال مالك : ليس على المحرم فيما قطع من الشجر في الحرم شيء ) لا جزاء ولا غيره سوى الحرمة ، فيتوب إلى الله لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة فتح مكة : " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، ولا يعضد بها شجرة " ، في روايات أخر : ليس في شيء منها ذكر جزاء ، ولا غيره ، والكفارات لا يقاس عليها .

                                                                                                          ( ولم يبلغنا أن أحدا حكم عليه فيه بشيء وبئس ما صنع ) لارتكاب الحرمة ، فعليه التوبة ( قال مالك في الذي يجهل أو ينسى صيام ثلاثة أيام في الحج ، أو يمرض فيها ، فلا يصومها حتى يقدم ) بفتح الدال ( بلده قال : ليهد إن وجد هديا ، وإلا فليصم ثلاثة أيام في أهله وسبعة بعد ذلك ) لأن الصيام بكل مكان سواء .




                                                                                                          الخدمات العلمية