الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الرابعة

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون } .

                                                                                                                                                                                                              فيها ثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : قال قتادة : وهي منسوخة بآية القتال ، فإنه رفع الجدال . المسألة الثانية :

                                                                                                                                                                                                              قد بينا في القسم الثاني أنها ليست منسوخة ، وإنما هي مخصوصة ; لأن النبي عليه السلام بعث باللسان يقاتل به في الله ، ثم أمره الله بالسيف واللسان ، حتى قامت الحجة على الخلق لله ، وتبين العناد ، وبلغت القدرة غايتها عشرة أعوام متصلة ، فمن قدر عليه قتل ، ومن امتنع بقي الجدال في حقه ; ولكن بما يحسن من الأدلة ، ويجمل من الكلام ، بأن يكون منك للخصم تمكين ، وفي خطابك له لين ، وأن تستعمل من الأدلة أظهرها ، وأنورها ، وإذا لم يفهم المجادل أعاد عليه الحجة وكررها ، كما فعل الخليل مع الكافر حين قال له إبراهيم : { ربي الذي يحيي ويميت } .

                                                                                                                                                                                                              فقال له الكافر : أنا أحيي وأميت ، فحسن الجدال ، ونقل إلى أبين منه بالاستدلال . وقال : إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب . وهو انتقال من حق إلى حق أظهر منه ، ومن دليل إلى دليل أبين منه وأنور .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : قوله : { إلا الذين ظلموا } فيها أربعة أقوال : [ ص: 519 ] الأول : أهل الحرب .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : مانعو الجزية .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : من بقي على المعاندة بعد ظهور الحجة . الرابع : الذين ظلموا في جدالهم ، بأن خلطوا في إبطالهم .

                                                                                                                                                                                                              وهذه الأقوال كلها صحيحة مرددة ، وقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم مجادلات مع المشركين ، ومع أهل الكتاب . وآيات القرآن في ذلك كثيرة ، وهي أثبت في المعنى .

                                                                                                                                                                                                              وقد قال لليهود : { إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم } . فما أجابوا جوابا .

                                                                                                                                                                                                              وقال لهم : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } . أي : إن كنتم أبعدتم ولدا بغير أب فخذوا ولدا دون أب ولا أم .

                                                                                                                                                                                                              وقال : { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا } .

                                                                                                                                                                                                              وقال : { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق } .

                                                                                                                                                                                                              وقال عمران بن حصين : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي حصين : { يا حصين ; كم إلها تعبد اليوم ، قال : إني أعبد سبعة ، واحدا في السماء ، وستا في الأرض : قال : فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك ، قال : الذي في السماء . قال : يا حصين ، أما إنك إن أسلمت علمتك } . وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية