الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) من سننه ( المضمضة و ) بعدها ( الاستنشاق ) للاتباع ولم يجبا لما مر ، ويحصل أقلهما بإيصال الماء إلى الفم والأنف وإن لم يدره في الفم ولا مجه ولا جذبه في الأنف ولا نثره ، وأكملهما بأن يديره ثم يمجه أو يجذبه ثم ينثره .

                                                                                                                            وعلم مما قدرته في كلامي أن الترتيب بينهما مستحق لا مستحب ، وأشار إلى ذلك بقوله ثم الأصح إلى آخره ، فلو تقدم مؤخرا كأن استنشق قبل المضمضة حسبما بدأ به وفات ما كان محله قبله على الأصح في الروضة [ ص: 187 ] خلافا لما في المجموع ، إذ المعتمد ما فيها كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى لقولهم في الصلاة : الثالث عشر ترتيب الأركان فخرج السنن فيحسب منها ما أوقعه أولا فكأنه ترك غيره فلا يعتد بفعله بعد ذلك كما لو تعوذ ثم أتى بدعاء الافتتاح .

                                                                                                                            وفائدة تقديم المضمضة والاستنشاق معرفة أوصاف الماء من طعم وريح ولون بالنظر هل تغير أو لا ؟ وقدم الفم لأنه أشرف من الأنف لكونه محلا للقرآن والأذكار وأكثر منفعة ( والأظهر أن فصلهما أفضل ) من جمعهما لما رواه طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال { دخلت يعني على النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق } ( ثم الأصح ) على هذا الأفضل أنه ( يتمضمض بغرفة ثلاثا ، ثم يستنشق بأخرى ثلاثا ) فلا ينتقل إلى عضو إلا بعد كمال ما قبله ، وقيل يتمضمض بثلاث ثم يستنشق بثلاث وهو أضعفها وأنظفها ( ويبالغ فيهما غير الصائم ) لقوله صلى الله عليه وسلم { أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما } ولخبر { إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائما } والمبالغة فيهما أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثاة ، وفي الاستنشاق أن يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم ، أما الصائم [ ص: 188 ] فلا تسن له المبالغة بل تكره كما في المجموع لخوف الإفطار إلا أن يغسل فمه من نجاسة ، وإنما لم يحرم لكونهما مطلوبين في الوضوء بخلاف قبلة الصائم المحركة لشهوته ، لأنه هنا يمكنه إطباق حلقه ومج الماء وهناك لا يمكنه رد المني إذا خرج ، ولأن القبلة غير مطلوبة بل داعية لما يضاد الصوم من الإنزال بخلاف المبالغة .

                                                                                                                            ويؤخذ من ذلك حرمة المبالغة على صائم فرض غلب على ظنه سبق الماء إلى جوفه إن فعلها وهو ظاهر ( قلت : الأظهر تفضيل الجمع ) بين المضمضة والاستنشاق ويكون ( بثلاث غرف يتمضمض من كل ثم يستنشق ، والله أعلم ) لورود التصريح به ، وقيل يجمع بينهما بغرفة واحدة ، وفي كيفية ذلك وجهان : أحدهما يتمضمض منها ولاء ثلاثا ثم يستنشق ثلاثا .

                                                                                                                            والثاني يتمضمض منها ثم يستنشق منها ثم يفعل منها كذلك ثانيا وثالثا ، واستحسنه في الشرح الصغير

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله لما مر ) أي من الاقتصار في بيان الواجب على غسل الوجه وما معه وليس فيه مضمضة ولا استنشاق .

                                                                                                                            واستدل حج هنا بقوله : ولم يجبا للحديث الصحيح { لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ، فيغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه } أي فهذه هي المذكورة فيما أمر الله به في قوله { فاغسلوا وجوهكم } الآية ، وخبر { تمضمضوا واستنشقوا } ضعيف ( قوله ولا نثره ) هو بالثاء المثلثة .

                                                                                                                            قال في مختار الصحاح : نثره من باب نصر فانتثر والاسم النثار بالكسر ، والنثار بالضم ما تناثر من الشيء ، ودر منثر شدد للكثرة ، والانتثار والاستنثار بمعنى : وهو نثر ما في الأنف بالنفس ا هـ فقول الشارح : ثم ينثره معناه يخرجه بنفسه ، وعليه فإخراج ما في الأنف من أذى بنحو الخنصر لا يسمى استنثارا ، فقول شرح الروض إخراج ما في أنفه من أذى بنحو خنصره يسمى استنثارا لعله مجاز ( قوله : أو يجذبه ) بابه ضرب ا هـ صحاح ( قوله : وعلم مما قدرته ) أي في قوله وبعدها ( قوله : حسبما بدأ به ) خلافا لحج حيث قال : فمتى قدمه شيئا على محله كأن اقتصر على الاستنشاق لغا ، واعتد بما وقع بعده في محله من غسل الكفين فالمضمضة ا هـ .

                                                                                                                            قال العبادي في شرح الغاية : قال في الروضة : وتقدم المضمضة على الاستنشاق شرط على الأصح .

                                                                                                                            وقيل مستحب ثم قال : ولو قدم المضمضة والاستنشاق على غسل الكف لم يحسب الكف على الأصح ا هـ .

                                                                                                                            وقضيته لو قدم الاستنشاق على المضمضة أو أتى بهما معا حسب الاستنشاق وفاتت المضمضة فيكون الترتيب شرطا للاعتداد بالجميع ، فإذا عكس حسب ما قدمه [ ص: 187 ] على محله وفات ما أخره عنه ، لكن قضية كلام المجموع أنه شرط للاعتداد بالمؤخر ، وأنه إذا قدمه لغا وأعاده إذا أتى بماء بعده وهو القياس ، وبقي ما لو فعلهما معا ، وينبغي على كلام حج أن الحاصل منهما المضمضة لوقوعها في محلها دون الاستنشاق لوقوعه قبل محله ، وهذا نظير ما تقدم من أنه لو غسل أربعة أعضائه معا حسب الوجه دون غيره ، لا يقال : إنما لم يحصل غير الوجه لوجوب الترتيب وهو هنا غير واجب .

                                                                                                                            لأنا نقول : هو وإن لم يكن واجبا لكنه مستحق لا مستحب فقط فأشبه الواجب .

                                                                                                                            وأما على ما ذكره الشارح من أنه لو قدم مؤخرا حسب ما بدأ به فيحتمل أنهما يحصلان فيما لو أتى بهما معا لأنه لم يشترط لحسبان المتأخر سبق غيره عليه ( قوله فيحسب منها إلخ ) في استفادته من ذلك نظر لأن مجرد عدم وجوب الترتيب بين السنن لا يقتضي حسبان المتقدم وإلغاء المتأخر ، بل كما يصدق بذلك يصدق بإلغاء المتأخر وطلب فعلها كما لو لم يسبق فعل المتأخر .

                                                                                                                            وقياس إلغاء المتقدم على التعوذ أجاب عنه حج بأن المعنى الذي شرع له الافتتاح يفوت بتقديم التعوذ عليه ، لأن القصد بدعاء الافتتاح أن يقع الافتتاح به ولا يتقدمه غيره ، وبالبداءة بالتعوذ فات ذلك لتعذر الرجوع إليه .

                                                                                                                            والقصد بالتعوذ أن تليه القراءة وقد وجد ذلك فاعتد به لوقوعه في محله ( قوله : وقدم الفم ) قال في الخادم : والاستنشاق أفضل ، لأن أبا ثور يقول : المضمضة سنة والاستنشاق واجب بناء على أن أقواله صلى الله عليه وسلم محمولة على الوجوب ، وأفعاله على الندب والمضمضة نقلت عن فعله ، والاستنشاق ثبت من قوله : { إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء } ا هـ ( قوله : وأكثر منفعة ) لأنه محل قوام البدن أكلا ونحوه والروح ذكرا ونحوه ا هـ حج ( قوله : وقيل يتمضمض إلخ ) وينبغي فيما لو تعدد الفم أن يأتي فيه ما قيل في تعدد الوجه من أنهما إن كانا أصليين تمضمض واستنشق في كل منهما ، أو كان أحدهما أصليا تمضمض فيه إلى آخر ما سبق ( قوله : ثم يستنشق ) أفاد التعبير بثم أنه لو تمضمض بواحدة ثم استنشق بأخرى ، وهكذا لا يكون آتيا بالأفضل على هذا .

                                                                                                                            ويوجه بأن القائل بالفعل قاس ما هنا على الوجه واليدين في أنه لا ينتقل له لعضو إلا بعد كمال طهر ما قبله ، ولكن عبارة حج حكاية لهذا القول نصها : ومقابله أي الأصح ثلاث [ ص: 188 ] لكل متوالية أو متفرقة ا هـ .

                                                                                                                            ويشكل عليه ما قدمه في توجيه أفضلية الفصل من قوله حتى لا ينتقل عن عضو إلا بعد كمال طهره .

                                                                                                                            إلا أن يقال : أراد بالمتفرقة كونها في أوقات متعددة مع كونه لم ينتقل للثاني إلا بعد كمال الأول لكنه بعيد ( قوله : لقوله ) أي للقيط بن صبرة ( قوله : بل تكره إلخ ) وينبغي أن يلحق به الممسك فتكره إلخ ( قوله إلا أن يغسل فمه إلخ ) أي فإنه يجب عليه المبالغة حينئذ ، وعليه فلو سبقه الماء في هذه الحالة إلى جوفه لم يفطر لأنه تولد من مأمور به ( قوله : ويكون إلخ ) أي والأولى أن يكون إلخ ، فأشار إلى أنه إذا قيل بتفضيل الجمع اختلف في الأولى وكان ينبغي للمصنف ذكره كأن يقول : ثم الأصح بثلاث غرف إلخ فعل في تفضيل الفصل ( قول المصنف بثلاث غرف ) عبارة المصباح الغرفة بالضم الماء المغروف باليد ، والجمع غراف مثل برمة وبرام ، والغرفة بالفتح المرة ، وغرفت الماء غرفا من باب ضرب واغترفته ا هـ .

                                                                                                                            وفي القاموس ما يوافقه ، وعليه فكان القياس أن يقول المصنف غراف ( قوله وفي كيفية ذلك ) أي الجمع بغرفة واحدة ( قوله أحدهما يتمضمض منها ولاء ثلاثا إلخ ) أي ثم يستنشق كذلك وهذه في الحقيقة فصل لأنه لم ينتقل لتطهير الثاني إلا بعد الفراغ من الأول وتسميتها وصلا باعتبار اتحاد الغرفة ( قوله : واستحسنه ) أي لما مر من أن الكيفية الأولى في الحقيقة فصل



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 186 ] قوله : وبعدها ) ولو بأن يجعل كل مرة من الاستنشاق بعد كل مرة من المضمضة ليصدق بجميع الكيفيات ( قوله : لما مر ) هو تابع في هذه الحوالة لشرح الروض ، لكن ذاك قدم ما تصح له الحوالة عليه في الكلام على التسمية ، وهو قوله : وإنما لم تجب لآية الوضوء المبينة لواجباته ، ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي { توضأ كما أمرك الله } انتهى .

                                                                                                                            ويصح أن يكون مراد الشارح بما مر الحديث الذي قدمه في غسل اليدين وإن لم يبين وجه الدلالة منه لذلك ( قوله : فلو قدم مؤخرا ) هذا لا يظهر ترتبه على الاستحقاق ، وإنما الذي يظهر عليه ما ذهب إليه الشهاب ابن حجر من أنه إذا قدم الاستنشاق لغا واعتد بالمضمضة إذا فعلها بعده لوقوعه في غير مستحقه [ ص: 187 ] قوله : إذ المعتمد ما فيها ) أي هنا بدليل قوله لقولهم في الصلاة إلخ ، وإلا فإذا تعارض ما في الروضة ، والمجموع قدم ما فيه غالبا ; لأنه متتبع فيه لكلام الأصحاب لا مختصر لكلام غيره ( قوله : وفائدة تقديم المضمضة إلخ ) عبارة الدميري ، والحكمة في تقديم السنن الثلاثة : يعني الكفين ، والمضمضة والاستنشاق على الوضوء ، أن يتدارك أوصاف الماء الثلاثة [ ص: 188 ] قوله : وهناك لا يمكنه رد المني ) الذي يأتي في الصوم أن محل الحرمة إذا خشي من نفسه الوقاع




                                                                                                                            الخدمات العلمية