الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 275 ] باب المواقيت

                                                                                                          ذو الحليفة للمدينة ، بينها وبين مكة عشرة أيام ويليه في البعد الجحفة وهي للشام ومصر والمغرب . ثم يلملم لليمن وقرن لنجد اليمن وبحد الحجاز والطائف . وذات عرق للعراق وخراسان والمشرق . وهذه الثلاث من مكة ليلتان . وهذه المواقيت ثبتت بالنص [ و ] عند بعض العلماء ، واختاره بعض الشافعية وقال الشافعي في الأم [ وأومأ إليه أحمد ] ذات عرق باجتهاد عمر ، والظاهر أنه خفي النص فوافقه ، فإنه موفق للصواب . وليس الأفضل للعراقي أن يحرم من العقيق وهو واد وراء ذات عرق يلي الشرق ( ش ) وغيره ، كبقية المواقيت ، ولأحمد والترمذي وحسنه وأبي داود عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق } تفرد به يزيد بن أبي زياد ، شيعي مختلف فيه . قال ابن معين وأبو زرعة : لا يحتج به .

                                                                                                          وقال الجوزجاني : سمعتهم يضعفونه .

                                                                                                          وقال أبو حاتم : ليس بقوي وقال ابن عدي : مع ضعفه يكتب حديثه : وقال أبو داود : لا أعلم أحدا ترك حديثه .

                                                                                                          وقال العجلي ، جائز الحديث . قال ابن عبد البر : ذات عرق ميقاتهم بإجماع ، والاعتبار بمواضعها . وهن مواقيت لمن مر عليها من غير أهلها ، كالشامي يمر بذي الحليفة يحرم منها ، نص عليه ، قال النواوي : بلا خلاف ، كذا قال ، ومذهب عطاء ومالك وأبي ثور : له أن يحرم من الجحفة ، ويتوجه لنا مثله ، فإنه قوله عليه السلام في خبر ابن عباس { هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن [ ص: 276 ] ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ ، حتى أهل مكة من مكة } متفق عليه ، يعم من ميقاته بين يدي هذه المواقيت التي مر بها ومن لا وقوله : لأهل الشام الجحفة ، يعم من مر بميقات آخر أو لا ، والأصل عدم الوجوب ، وعند داود : لا حج له ، وعند الحنفية : يحرم أهل المدينة ومن مر بها من شامي وغيره من ذي الحليفة ، ولهم أن يحرموا من الجحفة ولا شيء عليهم . وعن أبي حنيفة : عليه دم ، وللشافعي أنبأنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين ، مرة من ذي الحليفة ومرة من الجحفة . وذكر بعض الحنفية ما ذكره ابن المنذر وغيره عن عائشة كانت إذا أرادت الحج أحرمت من ذي الحليفة ، وإذا أرادت العمرة من الجحفة ، قال ولو لم تكن الجحفة ميقاتا لذلك لما جاز تأخير إحرام العمرة ; لأنه لا فرق للآفاقي . وفي كلام بعضهم هنا نظر . وقوله آفاقي ، وصوابه أفقي ، قيل بفتحتين وقيل بضمتين ( م 1 ) نسبة إلى المفرد ، والآفاق الجمع فأما إن مر الشامي [ ص: 277 ] أو المدني من غير طريق ذي الحليفة فميقاته الجحفة ، للخبر . ومن عرج عن المواقيت أحرم إذا علم أنه حاذى أقربها منه ، ويستحب [ له ] الاحتياط ، فإن تساويا في القرب إليه فمن أبعدهما عن مكة ، وأطلق الآجري أن ميقات من عرج إذا حاذى المواقيت ، قال في الرعاية والشافعية : ومن لم يحاذ ميقاتا أحرم عن مكة بقدر مرحلتين . وذكر الحنفية مثله إن تعذر معرفة المحاذاة . وهذا متجه ، ومن منزله دونها فمنه للحج والعمرة ، ويجوز من أقربه إلى البيت ، والبعيد أولى ، وقيل : سواء ، وكل ميقات فحذوه مثله . وعند الحنفية : من منزله دونها له تأخير إحرامه إلى الحرم ، ولا يجوز دخوله إلا محرما لمن قصد النسك ، ولم يجيبوا عن الخبر السابق . وميقات من حج من مكة مكي أو لا منها . وظاهره : ولا ترجيح ، وأظهر قولي الشافعي : من باب داره . ويأتي المسجد محرما والثاني : منه ، كالحنفية ، نقله حرب عن أحمد ، ولم أجد عنه خلافه ، ولم يذكره الأصحاب إلا في الإيضاح ، قال : يحرم به من الميزاب ، ويجوز من الحرم والحل ، نقله الأثرم وابن منصور ، ونصره القاضي وأصحابه ( و م ) كما لو خرج إلى الميقات الشرعي ، وكالعمرة ، ومنعوا وجوب إحرامه من الحرم ومكة . وعنه : عليه دم ، وعنه : إن أحرم من الحل ، وجزم به الشيخ ، لإحرامه دون الميقات ، قال : وإن مر في الحرم يعني قبل مضيه إلى عرفة فلا دم ، لإحرامه قبل ميقاته ، كمحرم .

                                                                                                          [ ص: 278 ] قبل المواقيت ( و هـ ش ) إلا أن الصحيح عنه كروايتنا قبل هذه نفس مكة ، فيلزم لدم من أحرم مفارقا بنيانها إن لم يعد . وقد قال جابر : { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحرم إذا توجهنا فأهللنا من الأبطح } رواه مسلم . وأبو حنيفة يعتبر مروره في الحرم ملبيا . ولم يعتبره صاحباه . وعن أحمد : المحرم من الميقات عن غيره إذا قضى نسكه ثم أراد أن يحرم عن نفسه واجبا أو نفلا ، أو أحرم عن نفسه ثم أراد عن غيره أو عن إنسان ثم عن آخر ، يخرج يحرم من الميقات . وإلا لزمه دم ، اختاره جماعة ، وجزم به القاضي وغيره . وفي الترغيب : لا خلاف فيه ، كذا قال ; لأنه جاوز الميقات مريدا للنسك فأحرم [ من ] دونه ، وإحرامه عن غيره كالمعدوم في حق نفسه ، واختار الشيخ وغيره خلاف هذا ، وهو ظاهر كلام الخرقي وغيره ، وكذا أحمد ، لكن أوله بعضهم ; لأن من كان بمكة كالمكي ، كما سبق ، وكالنسكين عن واحد ، وفرق القاضي بأن الثاني تابع للأول ، فكأنه أحرم بهما معا من الميقات ، كذا قال ، وعنه : من اعتمر في أشهر الحج أطلقه ابن عقيل . وزاد غير واحد : من أهل مكة أهل بالحج من الميقات ، وإلا لزمه دم ، وهي ضعيفة عند الأصحاب . وأولها .

                                                                                                          [ ص: 279 ] بعضهم بسقوط دم المتعة عن الآفاقي بخروجه إلى الميقات ، وذكر ابن أبي موسى من [ كان ] بمكة من غير أهلها إن أراد عمرة واجبة فمن الميقات وإلا لزمه دم ، كمن جاوز الميقات وأحرم دونه . وإن أراد نفلا فمن أدنى الحل ، والأصح أن ميقات من بمكة أو الحرم مكي وغيره من أدنى الحل ، { لأمره عليه السلام عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج مع عائشة إلى التنعيم لتعتمر } وليجمع في النسك بين الحل والحرم ; لأن أفعالها في الحرم بخلاف الحج ، قيل التنعيم أفضل ( و هـ ) وفي المستوعب وغيره : الجعرانة ، لاعتماره عليه السلام منها ، ثم منه ، ثم من الحديبية ( و ش ) ، وظاهر كلام الشيخ سواء .

                                                                                                          [ ص: 276 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 276 ] باب المواقيت ( مسألة 1 ) قوله : وصوابه أفقي قيل بفتحتين وقيل بضمتين ، انتهى . ليس مما نحن فيه من الخلاف المطلق الذي اصطلح عليه المصنف في الخطبة ، ولكن لعلماء اللغة فيه قولان ، ولما كان أحدهما ليس أولى من الآخر أتى بهذه الصيغة ، وتقدم الجواب عن ذلك في المقدمة ، والأفصح الضم .

                                                                                                          وقال بعضهم : إنما فتحوا ذلك تخفيفا ، قاله ابن خطيب الدهشة [ ص: 277 - 279 ] مسألة 2 ) قوله في أحكام العمرة : قيل التنعيم أفضل .

                                                                                                          وفي المستوعب وغيره : الجعرانة يعني أفضل وظاهر كلام الشيخ سواء ، انتهى . أحدهما التنعيم أفضل ، وهو الصحيح ، جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والشرح والمقنع ، رأيته في نسخة مقروءة على المصنف وعليها شرح الشارح وابن منجى . والوجه الآخر جزم به في المستوعب والتلخيص والبلغة والرعاية والحاويين والفائق وغيرهم .

                                                                                                          ( تنبيهات )

                                                                                                          الأول قول المصنف : " وظاهر كلام الشيخ سواء " الظاهر أنه أراد في المغني ولم يطلع على نسخة المقنع التي فيها ذلك ، مع أن كتاب المصنف المقنع وهو من حافظيه ، والله أعلم




                                                                                                          الخدمات العلمية