الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1112 1171 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عمته عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ح . وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير ، حدثنا يحيى -هو ابن سعيد - عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح ، حتى إني لأقول : هل قرأ بأم الكتاب ؟! [انظر : 619 - مسلم : 724 - فتح: 3 \ 46]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديثين عن عائشة : أولهما :

                                                                                                                                                                                                                              كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيهما :

                                                                                                                                                                                                                              عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عمته عمرة ، عن عائشة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح ، حتى إني لأقول : هل قرأ بأم الكتاب ؟!

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم أيضا . رواه عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري المدني عن عائشة محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن [ ص: 168 ] زرارة ، كذا ذكره البخاري وغيره ، وقيل : محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن سعد . وقيل : ابن أسعد .

                                                                                                                                                                                                                              قال المزي : هو ابن أخي عمرة بنت عبد الرحمن . قال : وهو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، قلت : فعلى هذا هو ابن ابن أخيها لا ابن أخيها ، بين ذلك الجياني ، فقال : محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة وسعد أخو أسعد . قاله يحيى القطان ، يروي عن عمته عمرة وغيرها ، ثم قال : هكذا أتى في هذا الحديث ، وإنما هي عمة أبيه ، فإنها عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة . وكذا قال أبو طاهر وابن عساكر : إنها عمة أبيه .

                                                                                                                                                                                                                              فمن قال : محمد بن عبد الرحمن بن سعد . فقد نسبه إلى جده لأبيه ، ومن قال : محمد بن عبد الرحمن بن أسعد فإلى جده لأمه ، وهذا روى عنه يحيى بن سعيد وشعبة وغيرهما ، كان واليا على المدينة زمن عمر بن عبد العزيز ، مات سنة أربع وعشرين ومائة ، وهو ثقة وله أحاديث ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 169 ] وذكر أبو مسعود أن محمد بن عبد الرحمن هذا هو أبو الرجال ، وأبو الرجال هو : محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان ، ويقال : ابن عبد الله بن حارثة بن النعمان الأنصاري النجاري ، لقب بأبي الرجال ; لأن له عشرة أولاد رجالا ، وجده حارثة بدري ، وسبب اشتباه ذلك على أبي مسعود أنه روى عن عمرة -وعمرة أمه- لكنه لم يرو عنها هذا الحديث ; ولأنه روى عنه يحيى بن سعيد وشعبة . وقد نبه على ذلك الخطيب فقال في حديث محمد بن عبد الرحمن ، عن عمته عمرة ، عن عائشة في الركعتين بعد الفجر من قال : في هذا الحديث عن شعبة ، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن ، فقد وهم ; لأن شعبة لم يرو عن أبي الرجال شيئا ، وكذلك من قال : عن شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أمه عمرة .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الجياني أن محمد بن عبد الرحمن أربعة من تابعي أهل المدينة ، أسماؤهم متقاربة ، وطبقتهم واحدة ، وحديثهم مخرج في [ ص: 170 ] الكتابين .

                                                                                                                                                                                                                              والأول : (محمد ) بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن جابر وأبي سلمة ، روى عنه يحيى بن أبي كثير ، وروى عن أمه عن عائشة ، وروى عنه يحيى الأنصاري ، وذكر ابن عساكر في حديث : "يقطع السارق " أن أبا مسعود الدمشقي ذكر أن يحيى بن أبي كثير رواه عن محمد بن عبد الرحمن -يعني : أبا الرجال- عن أمه عمرة عن عائشة . قال ابن عساكر : وذكر حديث يحيى عن محمد بن عبد الرحمن هذا ، هو ابن سعد بن زرارة ، لا عن أبي الرجال . قال : ورواه آخرون عن أبي إسماعيل القناد فقال : عن يحيى ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن عمرة .

                                                                                                                                                                                                                              والثاني : (محمد ) بن عبد الرحمن بن نوفل أبو الأسود يتيم عروة .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : (محمد ) بن عبد الرحمن يعني : ابن زرارة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 171 ] والرابع : (محمد ) بن عبد الرحمن أبو الرجال .

                                                                                                                                                                                                                              والمراد بالنداء الثاني ; لأن الأول للتأهب .

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك :

                                                                                                                                                                                                                              فاختلف العلماء في القراءة في ركعتي الفجر على أربعة مذاهب ، حكاها الطحاوي :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها : لا يقرأ فيهما .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها : يخفف ، يقرأ فيهما بأم القرآن خاصة ، روي ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو مشهور مذهب مالك كما سلف قبيل باب الضجعة .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها : يخفف ، ولا بأس أن يقرأ مع أم القرآن سورة قصيرة ، رواه ابن القاسم عن مالك ، وهو قول الشافعي ، وروي عن إبراهيم النخعي ومجاهد أنه لا بأس أن يطيل القراءة فيهما ، ذكره ابن أبي شيبة .

                                                                                                                                                                                                                              رابعها : قال أبو حنيفة : ربما قرأت فيهما حزبي من القرآن ، وهو قول أصحابه ، واحتج لهم الطحاوي فقال : لما كانت ركعتا الفجر من أشرف التطوع ، كما سلف من أنهما خير من الدنيا وما فيها ، كان الأولى أن يفعل فيها أشرف ما يفعل في التطوع من إطالة القراءة فيهما ، وهو عندنا أفضل من التقصير ; لأنه من طول القنوت الذي فضله الشارع في التطوع على غيره .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 172 ] ومن قال : لا قراءة فيهما . احتج بحديثي الباب ، وجوابه رواية شعبة عن محمد بن عبد الرحمن : سمعت عمتي عمرة تحدث عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى الفجر صلى ركعتين ، أقول يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ، فهذا خلاف أحاديث عائشة الأخرى ; لأنها أثبتت في هذا الحديث قراءة أم القرآن ، فذلك حجة على من نفاها ، وهو حجة أيضا لمن قال : يقرأ فيهما بأم القرآن خاصة ; لأنها مع الفجر من حيث الصورة كالرباعية ، ومن سنة الرباعية أن تكون ركعتان منها بأم القرآن ، وقد يجوز أن يقرأ فيهما بالفاتحة وغيرها ، وتخفف القراءة حتى يقال على التعجب من تخفيفه : هل يقرأ فيهما بالفاتحة ؟

                                                                                                                                                                                                                              وحجة من قال بسورة قصيرة معها ما رواه أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعا وعشرين مرة يقرأ في الركعتين قبل صلاة الغداة ، وفي الركعتين بعد المغرب : قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو وائل عن عبد الله مثله وقال : ما أحصي ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بذلك . وبه كان يأخذ ابن مسعود ، ذكره ابن أبي شيبة ، وقد روي مثله من حديث قتادة عن أنس ، ومن حديث جابر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركعتي الفجر خاصة وهي على أبي حنيفة ، ومن جوز تطويل القراءة فيهما ; لأنه لم يحفظ عنه خلافها ، ولا قياس لأحد مع وجود السنة الثابتة ، وقد ذكر لابن سيرين قول النخعي فقال : ما أدري ما هذا ؟ وكان أصحاب ابن مسعود يأخذون في ذلك [ ص: 173 ] بحديث ابن عمر وبحديث ابن مسعود في تخفيف القراءة ، وتخفيفهما -والله أعلم- لمزاحمة الإقامة ; لأنه كان لا يصليهما في أكثر أحواله إلا حتى يأتيه المؤذن للإقامة ، وكان يغلس بصلاة الصبح .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              يستحب عندنا أيضا أن يقرأ فيهما بـ : قولوا آمنا بالله [البقرة : 136] و قل يا أهل الكتاب تعالوا [آل عمران : 64] ثبت في "الصحيح " من حديث ابن عباس وفيه أيضا من حديثه في الأولى : قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا . . الآية التي في البقرة ، وفي الآخرة منهما آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ، وروي أيضا أنه قرأ في الأولى : آمن الرسول [البقرة :285] وفي الثانية : قل يا أهل الكتاب [آل عمران :64] .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              في قولها : (ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين ) ، ظاهره أنهما في بيتها ، وروى ابن حبيب : فعلهما في المسجد أحب إلي ; لأنهما من السنن التي ينبغي إظهارها ، ولذلك واظب الشارع عليها .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية