الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويبادر ) بفتح الدال ندبا ( بغسله إذا تيقن موته ) إكراما له وإلا ترك وجوبا إلى تيقنه بتغير ونحوه لاحتمال إغماء ونحوه ، ومن أماراته استرخاء قدمه ، أو ميل أنفه ، أو انخلاع كفه ، أو انخفاض صدغه ، أو تقلص خصييه مع تدلي جلدتهما { ; لأنه عليه الصلاة والسلام عاد طلحة بن البراء فقال إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت ، فإذا مات فآذنوني به حتى أصلي عليه ، وعجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله } وعلم مما تقرر أن ذكرهم العلامات الكثيرة له إنما تفيد حيث لم يكن ثم شك ( وغسله ) أي الميت ( وتكفينه والصلاة عليه ) وحمله ( ودفنه فروض كفاية ) إجماعا للأمر به في الأخبار الصحيحة سواء في ذلك قاتل نفسه وغيره وسواء المسلم والذمي ، إلا في الغسل والصلاة [ ص: 442 ] فمحلهما في المسلم غير الشهيد كما يعلم مما يأتي ، ويعم الخطاب بذلك كل من علم بموته من قريب أو غيره على المشهور ، بل ومن لم يعلم إن نسب إلى تقصير في البحث كأن يكون الميت جاره ( وأقل الغسل ) ولو لنحو جنب ( تعميم بدنه ) بالماء مرة ; لأن ذلك هو الفرض في الغسل من الجنابة ونحوها في حق الحي فالميت أولى ، وبه يعلم وجوب غسل ما يظهر من فرج الثيب عند جلوسها على قدميها نظير ما مر في الحي ، فدعوى بعضهم أنهم أغفلوا ذلك ليست في محلها ( بعد ) ( إزالة النجس ) عنه إن كان فلا تكفي لهما غسلة واحدة ، وهذا مبني على ما صححه الرافعي في الحي من أن الغسلة لا تكفي عن الحدث والنجس ، وصحح المصنف الاكتفاء بها ، وكأنه ترك الاستدراك هنا للعلم به مما هناك فيتحد الحكمان وهذا هو المعتمد ، وكلام المجموع يلوح به حيث قال بعد ذكره اشتراط إزالة النجاسة أولا ؟ وقد مر بيانه في غسل الجنابة ، لا يقال : ما هنا محمول على نجاسة تمنع وصول الماء إلى البشرة ، أو أن ما هناك متعلق بنفسه فجاز إسقاطه وما هنا بغيره فامتنع إسقاطه ; لأنه يخرج عن صورة المسألة ، والثاني عن المدرك وهو أن الماء ما دام متردد على المحل لا يحكم باستعماله كما مر بيانه فتكفي غسلة لذلك ( ولا تجب نية الغاسل ) أي لا تشترط في صحة الغسل ( في الأصح فيكفي ) على هذا ( غرقه ، أو غسل كافر ) إذ المقصود منه النظافة وهي غير متوقفة على نية ، ومقابل الأصح تجب ; لأنه غسل واجب فافتقر إلى النية كغسل الجنابة ولا يكفي غرقه ولا غسل كافر على هذا فينوي الغسل الواجب ، أو غسل الميت ( قلت : الأصح المنصوص وجوب غسل الغريق ، والله أعلم ) ; لأنا مأمورون بغسل الميت فلا يسقط الفرض عنا إلا بفعلنا وإن شاهدنا الملائكة تغسله ; لأنا تعبدنا بفعلنا له بخلاف الكفن ومثله الدفن ; لأن المقصود منه الستر ولذلك ينبش للغسل دون التكفين ، والأوجه سقوطه بتغسيل غير المكلفين والاكتفاء بتغسيل الجن [ ص: 443 ] كما مر من انعقاد الجمعة بهم ( والأكمل وضعه بموضع خال ) عن الناس ، لا يدخله إلا الغاسل ومعينه ; لأنه قد يكون ببدنه ما يخفيه ، وللولي الدخول وإن لم يغسل ولم يعن لحرصه على مصلحته وقد غسله صلى الله عليه وسلم علي والفضل وأسامة يناول الماء والعباس واقف ، ثم وهو مقيد كما قاله الزركشي بما إذا لم تكن بينهما عداوة ، وإلا فكأجنبي ، ومراده بالولي أقرب الورثة ( مستور ) عنهم كما في حال حياته ، والأفضل أن يكون تحت سقف ; لأنه أستر له كما في الأم ( على لوح ) ، أو سرير هيئ لذلك لئلا يصيبه الرشاش [ ص: 444 ] ويكون عليه مستلقيا كاستلقاء المحتضر لكونه أمكن لغسله ( ويغسل ) ندبا ( في قميص ) لأنه أستر له { وقد غسل صلى الله عليه وسلم في قميص } رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح ، وذلك { لما اختلفت الصحابة في غسله هل نجرده أم نغسله في ثيابه فغشيهم النعاس وسمعوا هاتفا يقول : لا تجردوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية : غسلوه في قميصه الذي مات فيه } ، والأولى أن يكون بالباء : أي سخيفا بحيث لا يمنع وصول الماء إليه لأن القوي يحبس الماء ، والمستحب أن يغطى وجهه بخرقة أول ما يضعه على المغتسل ، ذكره المازني عن الشافعي .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله وإلا ترك وجوبا ) ينبغي أن الذي يجب تأخيره هو الدفن دون الغسل والتكفين فإنهما بتقدير حياته لا ضرورة فيهما ، نعم إن خيف منهما ضرر بتقدير حياته امتنع فعلهما ( قوله : مع تدلي جلدتهما ) أي ويمكن الاطلاع على ذلك برؤية حليلته أو وقوع ذلك بلا قصد من غيرها ( قوله : أن تحبس بين ذلك إلخ ) أي تبقى بين ظهور أهله وهو بفتح النون ، قال في المختار : يقال هو نازل بين ظهريهم بفتح الراء وظهرانيهم بفتح النون ولا تقل ظهرانيهم بكسر النون ا هـ ( قوله : وغسله إلخ ) قال سم على حج : فرع : لو غسل الميت نفسه كرامة فهل يكفي ؟ لا يبعد أنه يكفي ، ولا يقال المخاطب بالفرض غيره لجواز أنه إنما خوطب بذلك غيره لعجزه فإذا أتى به كرامة كفى .

                                                                                                                            [ فرع آخر ] لو مات إنسان موتا حقيقيا وجهز ثم أحيي حياة حقيقية ثم مات فالوجه الذي لا شك فيه أنه يجب له تجهيز آخر خلافا لما توهم ا هـ . وينبغي أن مثله ما لو غسل ميت ميتا آخر . وفي فتاوى حج الحديثية ما حاصله أن [ ص: 442 ] من أحيي بعد الموت الحقيقي بأن أخبر به معصوم ثبتت له جميع أحكام الموتى من قسمة تركته ونكاح زوجته ونحو ذلك ، وأن الحياة الثانية لا يعول عليها لأن ذلك تشريع لما لم يرد هو ولا نظيره بل ولا ما يقاربه ، وتشريع ما هو كذلك ممتنع بلا شك ا هـ : أي وعليه فمن مات بعد الحياة الثانية لا يغسل ولا يصلى عليه وإنما تجب مواراته فقط ، وأما إذا لم يتحقق موته حكمنا بأنه إنما كان به غشي أو نحوه ( قوله : فمحلهما في المسلم غير الشهيد ) أي وإلا في الذمي فتحرم الصلاة عليه ويجوز غسله ( قوله : فيتحد الحكمان ) وهو الاكتفاء بغسلة واحدة في الحي والميت ، ومعلوم أنه لا بد من إزالة عين النجاسة ووصفها ( قوله : أو غسل كافر ) أي وصبي ومجنون ; لأنهما من جنس المكلفين بالغسل مع حصول المقصود بفعلهما ا هـ سم على منهج ، وسيأتي ذلك في قوله والأوجه إلخ ( قوله : بخلاف الكفن ) أي فإنا لم نتعبد به بل وجب لمصلحة الميت وهو ستره ، وأما الغسل فليس لمصلحة الميت فقط بدليل أنه لو مات عقب اغتساله بالماء يجب غسله ، وأنا لو عجزنا عن طهارته بالماء وجب تيممه مع أنه لا نظافة فيه ( قوله : ومثله الدفن ) ومثلهما الحمل ا هـ سم على منهج ( قوله : بتغسيل غير المكلفين ) أي من نوع بني آدم بدليل قوله قبل : وإن شاهدنا الملائكة إلخ ( قوله والاكتفاء بتغسيل الجن ) خلافا لحج ذكورا كانوا أو إناثا ، ولا فرق في الاكتفاء بذلك منهم بين اتحاد الميت والمغسل منهم في الذكورة أو الأنوثة واختلافهما في ذلك ، كما لو غسلت امرأة ذكرا أجنبيا فإنه وإن حرم عليها ذلك يسقط به الطلب عنا . وفي سم على حج تقييد الجني بالذكورة ا هـ ، وقد يتوقف فيه [ ص: 443 ] قوله : والأكمل وضعه إلخ ) أي من الأكمل إذ بقي منها أشياء أخر ، والتعبير به يشعر بأن غير هذه الحالة فيه كمال ، وهو مشكل بأن تغسيله بحضرة الناس ونحو ذلك مما يخالف ما ذكر مكروه ، ويمكن الجواب بأن أكمل بمعنى كامل ; لأن اسم التفضيل قد يستعمل بمعنى أصل الفعل ، أو بأن المراد بأن ما عداه كامل من حيث أداء الواجب وإن كان فيه عدم كمال من جهة أداء السنة ، ويؤيد الجواب الثاني أخذه في مقابلة قوله أولا وأقل الغسل تعميم بدنه ( قوله : علي والفضل ) ظاهره أن عليا والفضل كانا يباشران الغسل فليراجع ، ثم رأيت في حج على الشمائل في آخر باب ما جاء في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قول المصنف بنو أبيه ما نصه : فغسله علي لحديث جماعة منهم ابن سعد والبزار والبيهقي والعقيلي وابن الجوزي في الواهيات عن علي كرم الله تعالى وجهه بلفظ { أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري ، فإنه لا يرى عورتي أحد إلا طمست عيناه } زاد بن سعد قال علي : فكان الفضل وأسامة يتناولان الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين . قال علي رضي الله تعالى عنه : فما تناولت عضوا إلا كأنما يقله معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله ، وفي رواية { يا علي لا يغسلني إلا أنت فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه } والعباس وابنه الفضل يعينانه وقثم وأسامة وشقران ومولاه صلى الله عليه وسلم يصبون الماء وأعينهم معصوبة من وراء الستر ا هـ . وقوله فإنه لا يرى أحد عورتي لعل المراد لا يرى أحد غيرك ، أو أنه لا يرى أحد عورتي إلا إلخ : أي وأنت تحافظ على عدم الرؤية بخلاف غيرك ( قوله : وإلا فكأجنبي ) أي فيكون حضوره خلاف الأولى بقرينة قوله والأكمل إلخ ( قوله : ومراده بالولي أقرب الورثة ) وعليه فلو اجتمع الابن والأب أو العم والجد فهل يستويان في أن كلا منهما أدلى بواسطة واحدة أو لا ؟ ويحتمل تقديم الابن على الأب وتقديم الجد على العم ، وينبغي أن من الأقرب هنا من أدلى بجهتين على من أدلى بجهة واحدة فيقدم الأخ الشقيق على الأخ للأب وهكذا في العمومة ، وقضية التعبير بالأقرب تقديم الأخ للأم والعم من الأم على ابن العم الشقيق أو للأب وإن كان ابن العم له عصوبة ، وينبغي أن يراد بالورثة ما يشمل ذوي الأرحام ، هذا وسيأتي أن أولاهم يغسله أولاهم بالصلاة عليه ، وكل من الأب والجد في الصلاة عليه مقدم على الابن فيكونان مقدمين في الغسل أيضا ، وعليه فيحتمل تخصيص ما هنا بهما ما يأتي ، ويحتمل وهو الظاهر بقاؤه على إطلاقه ، ويفرق بأن ما هنا ليس فيه مباشرة فلم يعتبر تقديم الأشفق بل روعي الأقرب .

                                                                                                                            [ فرع ] لو اختلف اعتقاد الميت ومغسله في أقل الغسل وأكمله في التغسيل فلا يبعد اعتبار اعتقاد المغسل ، وهل يجري ما قيل في الأقل والأكمل في تغسيل الذمي حتى إنه يجوز للغاسل أن يوضئه كوضوء الحي ؟ فيه نظر ا هـ سم على منهج . أقول وقوله يجوز للغاسل الأولى يطلب ، والأقرب أن طلب ذلك خاص بالمسلم ; لأن غسل الكافر من أصله غير مطلوب فلا يطلب ما هو مستحب فيه . أما الجواز فلا مانع منه ، وأما لو اختلف اعتقاد الولي والغاسل فينبغي مراعاة الولي ( قوله : والأفضل أن يكون تحت سقف ) هو مساو لقول غيره والأولى أن يكون . . إلخ ، [ ص: 444 ] ومثله ويستحب فالألفاظ الثلاثة مترادفة خلافا لمن فرق بينهما ( قوله : لكونه أمكن ) أي أسهل ( قوله : وسمعوا هاتفا يقول ) إن قلت : الهاتف بمجرده لا يثبت به حكم . قلت : يجوز أن يكون انضم إلى ذلك اجتهاد منهم بعد سماع الهاتف فاستحسنوا هذا الفعل وأجمعوا عليه ، فالاستدلال إنما هو بإجماعهم لا بسماع الهاتف ( قوله : والأولى أن يكون باليا أي سخيفا ) تفسيره به يقتضي أنه مرادف له وليس كذلك ، وعبارة المصباح : سخف الثوب سخفا وزان قرب قربا ، وسخافة بالفتح رق لقلة غزله فهو سخيف ، ومنه رجل سخيف وفي عقله سخف : أي نقص ا هـ . وعبارة شرح البهجة الكبير : باليا أو سخيفا ، ومثله في شرح المنهج ( قوله : والمستحب أن يغطى وجهه ) أي ; لأن الميت مظنة التغير ولا ينبغي إظهار ذلك .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : والثاني عن المدرك ) لك أن تقول : لا يضر خروجه عن المدرك لما خلفنا من تعلقه بالغير




                                                                                                                            الخدمات العلمية