الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل مذاهب الأئمة تؤخذ من أقوالهم . وأما أفعالهم فقد اختلف أصحابنا في فعل الإمام أحمد : هل يؤخذ منه مذهبه ؟ على وجهين : أحدهما : لا . لجواز الذنب عليه ; أو أن يعمل بخلاف معتقده أو يكون عمله سهوا أو عادة أو تقليدا ; أو لسبب ما غير الاعتقاد الذي يفتى به فإن عمل المرء بعلمه في كل حادثة وألا يعمل إلا بعلم يفتى به في كل حادثة يفتقر إلى أن يكون له في ذلك رأي وأن يذكره وأن يكون مريدا له من غير صارف ; إذ الفعل مع القدرة يقف على الداعي والداعي هو الشعور وميل القلب .

                والثاني : بل يؤخذ منه مذهبه ; لما عرف من تقوى أبي عبد الله وورعه وزهده فإنه كان من أبعد الناس عن تعمد الذنب وإن لم ندع فيه العصمة لكن الظاهر والغالب أن عمله موافق لعلمه فيكون الظاهر فيما عمله أنه مذهبه . وهكذا القول فيمن يغلب عليه التقوى [ ص: 153 ] والورع وبعضهم أشد من بعض فكل ما كان الرجل أتقى لله وأخشى له كان ذلك أقوى فيه . وأبو عبد الله من أتقى الأمة وأعظمهم زهدا وورعا بل هو في ذلك سابق ومقدم كما تشهد به سيرته وسيرة غيره المعروفة عند الخاص والعام .

                وكذلك أصحاب الشافعي لما رأوا نصه أنه لا يجوز بيع الباقلاء الخضراء ثم إنه اشتراها في مرضه فاختلف أصحابه : هل يخرج له في ذلك مذهب ؟ على وجهين وقد ذكروا مثل هذا في إقامة جمعتين في مكان واحد لما دخل بغداد فإذا قلنا : هو مذهب الإمام أحمد فهل يقال فيما فعله : إنه كان أفضل عنده من غيره ؟ هذا أضعف من الأول فإن فعله يدل على جوازه فيما ليس من تعبداته وإذا كان متعبدا به دل على أنه مستحب عنده أو واجب . أما كونه أفضل من غيره عنده فيفتقر إلى دليل منفصل وكثيرا ما يعدل الرجل عن الأفضل إلى الفاضل لما في الأفضل من الموانع وما يفتقر إليه من الشروط ; أو لعدم الباعث وإذا كان فعله جائزا أو مستحبا أو أفضل فإنه لا عموم له في جميع الصور بل لا يتعدى حكمه إلا إلى ما هو مثله فإن هذا شأن جميع الأفعال لا عموم لها حتى فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا عموم له .

                ثم يقال : فعل الأئمة وتركهم ينقسم كما تنقسم أفعال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 154 ] تارة يفعله على وجه العبادة والتدين فيدل على استحبابه عنده وأما رجحانه ففيه نظر . وأما على غير وجه التعبد ففي دلالته الوجهان فعلى هذا ما يذكر عن الأئمة من أنواع التعبدات والتزهدات والتورعات يقف على مقدمات : إحداها : هل يعتقد حسنها بحيث يقوله ويفتي به ; أو فعله بلا اعتقاد لذلك بل تأسيا بغيره أو ناسيا ؟ على الوجهين كالوجهين في المباح .

                والثانية : هل فيه إرادة لها توافق اعتقاده ؟ فكثيرا ما يكون طبع الرجل يخالف اعتقاده .

                والثالثة : هل يرى ذلك أفضل من غيره ; أو يفعل المفضول لأغراض أخرى مباحة ؟ والأول أرجح .

                والرابعة : أن ذلك الرجحان هل هو مطلق ; أو في بعض الأحوال ؟ والله أعلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية