الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) يستحب ( أن يستعان في الأولى بسدر ، أو خطمي ) بكسر الخاء ، وحكي ضمها للتنظيف والإنقاء ( ثم يصب ماء قراح ) بفتح القاف وتخفيف الراء : أي خالصا ( من فرقه إلى قدمه بعد زوال السدر ) أو نحوه فلا تحسب غسلة السدر ولا ما أزيل به من الثلاث لتغير الماء به التغير السالب للطهورية وإنما المحسوب منها غسلة الماء القراح ، فتكون الأولى من الثلاث به وهي المسقطة للواجب ، ولا تختص الأولى بالسدر بل الوجه كما قال السبكي التكرير به إلى حصول الإنقاء على وفق الخبر والمعنى يقتضيه ، فإذا حصل النقاء وجب غسله بالماء الخالص ، ويسن بعدها ثانية وثالثة كغسل الحي ، فالثلاث تحصل من خمس كما قد يستفاد من كلام الشارح بأن يغسله بماء وسدر ، ثم بماء مزيل له فهما غسلتان غير محسوبتين ، ثم بماء قراح ثلاثا أو من تسعة ، وله في تحصيل ذلك كيفيتان : الأولى أن يغسله مرة بسدر ، ثم ماء مزيل ، ثم ماء قراح فهذه ثلاثة يحصل منها واحدة ويكرر ذلك إلى تمام [ ص: 447 ] الثلاث ، الثانية أن يغسله بسدر ، ثم مزيل له وهكذا إلى تمام ست غير محسوبة ، ثم ماء قراح ثلاثا وهذه أولى فيما يظهر ، وعلم مما تقرر أن نحو السدر ما دام الماء يتغير به يمنع الحسبان عن الغسل الواجب والمندوب ، وعلم أن اقتصار المصنف كالروضة تبعا للأصحاب على الأولى محمول على بيان أقل الكمال ، واقتضاء المتن استواء السدر والخطمي ، ينازعه قول الماوردي : السدر أولى للنص ; لأنه أمسك للبدن ، إلا أن يحمل على الاستواء في أصل الفضيلة .

                                                                                                                            قيل وإفهام الروضة الجمع بينهما غريب ، واستحب المزني إعادة الوضوء مع كل غسلة وفيه نظر ، بل ظاهر كلامهم يخالفه ( و ) يستحب ( أن يجعل في كل غسلة ) من الثلاث التي بالماء القراح ( قليل كافور ) وفي الأخيرة آكد للخبر الآتي ولتقوية البدن ودفعه الهوام ، ويكره تركه كما في الأم ، وخرج بقليل الكثير بحيث يفحش التغير به فإنه يسلب الماء الطهورية ما لم يكن صلبا كما مر أول الكتاب ، ومحل ذلك في غير المحرم ، أما هو فيحرم وضع الكافور في ماء غسله ، ثم بعد تكميل الغسل تلين للميت مفاصله ، ثم ينشف تنشيفا بليغا لئلا تبتل أكفانه فيسرع إليه الفساد ، ولا يأتي في هذا التنشيف الخلاف المار في تنشيف الحي ، والأصل فيما مر خبر الصحيحين { أنه صلى الله عليه وسلم قال لغاسلات ابنته زينب رضي الله عنها : ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ، واغسلنها ثلاثا ، أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور ، قالت أم عطية منهن ومشطناها ثلاثة قرون } ، وفي رواية : { فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها } وقوله أو خمسا إلى آخره هو بحسب الحاجة في النظافة إلى الزيادة على الثلاث مع مراعاة الوتر لا التخيير ، وقوله إن رأيتن ، أي إن احتجتن ، وكاف ذلك بالكسر خطابا لأم عطية ومشطنا وضفرنا بالتخفيف : وثلاثة قرون : أي ضفائر القرنين والناصية [ ص: 448 ] ( فلو ) ( خرج ) من الميت ( بعده ) أي الغسل ( نجس ) ولو من الفرج وقبل التكفين ، أو وقع عليه نجس في آخر غسله ، أو بعده ( وجب إزالته فقط ) من غير إعادة غسل أو غيره لسقوط الفرض بما جرى وحصول النظافة بإزالة الخارج ( وقيل ) فيما إذا لم يكفن تجب إزالته ( مع الغسل إن خرج من الفرج ) ليختم أمره بالأكمل ( وقيل ) في الخارج منه تجب إزالته مع ( الوضوء ) بالجر على ما تقرر وإن كان قليلا إذ جر المضاف إليه مع حذف المضاف قليل لا الغسل كما في الحي ، أما بعد التكفين فيجزم بغسل النجاسة فقط ، وما في المهمات عن فتاوى البغوي أنه لا يجب غسلها أيضا إذا كان بعد التكفين مردود ، ولا يصير الميت جنبا بوطء ، أو غيره ولا محدثا بمس ، أو غيره لانتفاء تكليفه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بكسر الخاء ) وحكي فتحها ا هـ محلي ، ومثله في شرح البهجة الكبير ، وفي القاموس : والخطمي : أي بكسر الخاء أخذا من [ ص: 447 ] ضبطه بالقلم ، ويفتح : نبات محلل منضج ملين نافع لعسر البول والحصا والنسا ، وعبارة المصباح : والخطمي بكسر الخاء وبشد الياء : غسل معروف ، فقوله وحكي ضمها يحتمل أنه سبق قلم ، وأن الأصل وحكي فتحها ليوافق كلام هؤلاء ويحتمل أنها لغة ( قوله : وفيه نظر ) معتمد ( قوله : بعد تكميل الغسل ) زاد حج كأثنائه ( قوله : لئلا تبتل أكفانه إلخ ) زاد في شرح البهجة الكبير بعد ما ذكر : وبهذا فارق غسل الحي ووضوءه حيث استحبوا ترك التنشيف فيهما ا هـ ( قوله : والأصل فيما مر خبر الصحيحين إلخ ) قال حج في شرح الشمائل قبيل باب ما جاء في فراشه صلى الله عليه وسلم : وفيه { أنه ألقى إليهن حقوه : أي إزاره ، وأمرهن أن يجعلنه شعارها الذي يلي جسدها } ا هـ . وقد يؤخذ منه أنه لا بأس بأخذ شيء من آثار الصالحين وجعله كذلك ( قوله : قالت أم عطية ) اسمها نسيبة بضم النون وفتح السين المهملة وسكون المثناة التحتية وبالموحدة ، وقال ابن معين بفتح النون وكسر السين ، هي بنت الحارث ، وقيل بنت كعب الأنصارية رضي الله عنهما ا هـ من جامع الأصول لابن الأثير ( قوله : وكاف ذلك بالكسر ) تبع في ذلك البرماوي في شرح العمدة حيث قال بكسر الكاف ; لأن الخطاب لأم عطية فيما يظهر وإلا لقال ذلكن ا هـ . فجعل الدليل على كونه خطابا لأم عطية مجرد العدول عن الجمع إلى الإفراد ، لكن قال الدمياطي في المصابيح : إنه مما قامت فيه ذلك بالكسر مقام ذلكن وقد مر مثله ا هـ . وهو ظاهر في أن الخطاب ليس لأم عطية وحدها بل لجملة الغاسلات ، وإنما لم يجعل ضمير الجمع في ابدأن ورأيتن قائما مقام ضمير الواحدة فيكون الكل خطابا لأم عطية لعله ; لأن جملة الغاسلات مقصودة بالأمر لمباشرتهن ، ويجوز أن أم عطية هي التي شافهها النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فأقامها مقامهن في الخطاب مع كونه في الحقيقة للكل ، وكتب أيضا قوله وكاف ذلك بالكسر : أي في الموضعين كما نقل عن شيخ الإسلام في شرح الإعلام وهو ظاهر إطلاق الشارح ( قوله : وضفرنا بالتخفيف ) لعل حكمة التعبير بالتخفيف أنه الواقع ; لأن الميت لا ينبغي المبالغة في تسريحه وإلا فيجوز التشديد فيه للمبالغة [ ص: 448 ] قوله : بالجر على ما تقرر ) أي في قوله تجب إزالته مع الوضوء وقرر حج ما يقتضي رفعه حيث قال : يجب مع ذلك الوضوء ( قوله : لا الغسل ) أي فلا يجب .




                                                                                                                            الخدمات العلمية