الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          آثار الشرك ضلال العقول

                                                          قال الله تعالى:

                                                          أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا

                                                          إنهم يجرون وراء الأوهام ويقفون ما ليس لهم به علم، فيدعون ما لا دليل عليه من نقل ولا من عقل، ومن ذلك أن جعلوا الملائكة الذين هم عباد الله إناثا، [ ص: 4387 ] وكان ذلك غريبا لأن مؤداه أنه سبحانه اصطفى لهم البنين، وجعل له الإناث وهذا غير معقول في ذاته، لأن الناس في شئونهم العادية يؤثرون أنفسهم بالخير ويختارون لغيرهم دونه، وكذلك قال سبحانه وتعالى في استفهام إنكاري:

                                                          أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما

                                                          (الفاء) لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي ترتب على أنهم يقولون ما ليس لهم به علم أن ساروا وراء أوهام لم يبنوا علمهم على علم علموه، ولكن على أوهام توهموها.

                                                          و(الفاء) مؤخرة عن تقديم، لأن الاستفهام له الصدارة، والاستفهام هنا إنكاري بمعنى النفي مع التوبيخأفأصفاكم أي اختار لكم، الصفو: الخالي من الشوب، الذي لا يخالطه ضعف، أي هل اختار لكم البنين واتخذ الملائكة إناثا، وهذا يتضمن ادعاءين ادعوهما بأوهامهم:

                                                          الادعاء الأول: أنهم قالوا: إن الملائكة إناثا.

                                                          والادعاء الثاني: أنهم بنات الله تعالى، وإنهم بذلك قد افتروا على الله تعالى أعظم الفرية، وزينت لهم أوهامهم أعظم الباطل، إذ جعلتهم في خبال، ولذا قال تعالى: إنكم لتقولون قولا عظيما أي عظيم في أنه بهتان عظيم، لأن الله تعالى ليس من جنس الحوادث، بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وإن الولد من صفة الحوادث، والله سبحانه وتعالى منزه عن المشابهة بالحوادث، قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وقد أكد سبحانه أن هذا القول منهم عظيم أولا بـ (إن) التي للتوكيد، وثانيا بـ (لام) التوكيد.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية