الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
مسألة

عد الحليمي من الآداب ترك خلط سورة بسورة ، وذكر الحديث الآتي ، قال البيهقي : وأحسن ما يحتج به أن يقال : إن هذا التأليف لكتاب الله مأخوذ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 100 ] وأخذه عن جبريل ، فالأولى بالقارئ أن يقرأه على التأليف المنقول المجتمع عليه ، وقد قال ابن سيرين : تأليف الله خير من تأليفكم . ونقل القاضي أبو بكر الإجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كل سورة .

وقد روى أبو داود في " سننه " من حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبي بكر وهو يقرأ يخفض صوته ، وبعمر يجهر بصوته - وذكر الحديث وفيه - فقال : وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذه السورة ، ومن هذه السورة ، فقال : كلام طيب يجمعه الله بعضه إلى بعض ; فقال : كلكم قد أصاب .

وفي رواية لأبي عبيد في فضائل القرآن : قال بلال : أخلط الطيب بالطيب ، فقال : اقرأ السورة على وجهها ، أو قال : على نحوها ، وهذه زيادة مليحة . وفي رواية : إذا قرأت السورة فأنفذها .

وروى عن خالد بن الوليد : أنه أم الناس فقرأ من سور شتى ، ثم التفت إلى الناس حين انصرف ، فقال : شغلني الجهاد عن تعلم القرآن .

وروى المنع عن ابن سيرين ، ثم قال أبو عبيد : الأمر عندنا على الكراهة في قراءة القراء هذه الآيات المختلفة ، كما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال ، وكما اعتذر خالد عن فعله ، ولكراهة ابن سيرين له . ثم قال : إن بعضهم روى حديث بلال ، وفيه : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كل ذلك حسن . وهو أثبت وأشبه بنقل العلماء . انتهى .

ورواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ; وزاد : مثل بلال كمثل نحلة غدت تأكل من الحلو والمر ، ثم يصير حلوا كله .

قال : وإنما شبهه بالنحلة في ذلك ; لأنها تأكل من الثمرات : حلوها ، ومرها ، وحامضها ، ورطبها ، ويابسها ، وحارها ، وباردها ، فتخرج هذا الشفاء ، وليست كغيرها من الطير تقتصر على الحلو فقط لحظ شهوته فلا جرم أعاضها الله الشفاء فيما تلقيه ; كقوله : " عليكم بألبان البقرة ، فإنها ترم من كل الشجر فتأكل " . فبلال رضي الله عنه كان يقصد آيات الرحمة [ ص: 101 ] وصفات الجنة ، فأمره أن يقرأ السورة على نحوها كما جاءت ممتزجة ; كما أنزل الله تعالى : فإنه أعلم بدواء العباد وحاجتهم ، ولو شاء لصنفها أصنافا وكل صنف على حدة ; ولكنه مزجها لتصل القلوب بنظام لا يمل ; قال : ولقد أذهلني يوما قوله تعالى : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن ( الفرقان : 25 و 26 ) فقلت : يا لطيف ; علمت أن قلوب أوليائك الذين يعقلون هذه الأوصاف عنك وتتراءى لهم تلك الأهوال لا تتمالك ; فلطفت بهم فنسبت ( الملك ) إلى أعم اسم في الرحمة فقلت : ( الرحمن ) ليلاقي هذا الاسم تلك القلوب التي يحل بها الهول ، فيمازج تلك الأهوال ، ولو كان بدله اسما آخر ، من عزيز وجبار لتفطرت القلوب ، فكان بلال يقصد لما تطيب به النفوس ، فأمره أن يقرأ على نظام رب العالمين ; فهو أعلم بالشفاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية