الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل

                                                                                                          يلزم المتمتع دم ، بالإجماع ، وهو دم نسك لا جبران ، وسبق في أفضلية التمتع ، وإنما يجب بشروط : ( أحدها ) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، قال أحمد : عمرته في الشهر الذي أهل واحتج بقول جابر السابق ; ولأن الإحرام نسك يعتبر للعمرة أو من أعمالها ، فاعتبر في أشهر الحج ، كالطواف . فإن قيل : ليس منها ، وإنما يتوصل به إليها ثم استدامته كابتدائه كحرية العبد بعرفة . قيل : من أعمالها أنه يعتبر له ما يعتبر لها ، وينافيه ما ينافيها ، وليس .

                                                                                                          [ ص: 311 ] استدامته كابتدائه ، كما لو أحرم بالصلاة قبل وقتها واستدامه . وإنما أجزأه إذا أعتق ; لأن عرفة معظم الحج لا لأن ابتداءه كاستدامته ، وعند مالك : عمرته في الشهر الذي يحل فيه ، وعند أبي حنيفة : إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهره فليس بمتمتع ، وإلا فمتمتع ، لأمنه إفسادها بوطء بعد الأربعة ، عنده ، والأظهر ، عن الشافعي : إن أتى بأفعالها أو بعضها في أشهره لم يلزمه دم . ثم قيل عندهم : يلزمه دم الإساءة ، لإحرامه بالحج من مكة ، والأصح : لا ، لأنه جاوز الميقات محرما .

                                                                                                          ( الثاني ) أن يحج من عامه ( و ) خلافا للحنفية ; لأن ظاهر الآية الموالاة ; ولأنه أولى لو اعتمر في غير أشهره ثم حج من عامه ، لكثرة التباعد .

                                                                                                          ( الثالث ) أن لا يسافر بين العمرة والحج ، فإن سافر مسافة قصر فأكثر أطلقه جماعة ، ولعل مرادهم : فأحرم به . فلا دم عليه ، نص [ عليه ] وروي عن عمر رضي الله عنه : من رجع فليس بمتمتع . وهو عام ; ولأنه مسافر لم يترفه بترك أحد السفرين كمحل الوفاق . ولا يلزم المفرد ; لأن عمرته في غير أشهره . وفي الفصول والمذهب والمحرر : فإن أحرم به من الميقات فلا دم . نص عليه أحمد ( و ش ) وحمله القاضي على أن بينه وبين مكة مسافة قصر .

                                                                                                          وقال ابن عقيل : بل هو رواية كمذهب ( ش ) وفي الترغيب : إن سافر إليه فأحرم منه فوجهان ; لأن الدم وجب لترك الإحرام من الميقات ، رد بالمنع بدليل القارن . وقال أبو حنيفة : إن رجع .

                                                                                                          [ ص: 312 ] إلى أهله فلا دم ، روي عن ابن عمر . وقال مالك : إن رجع إلى بلده أو بقدره فلا دم . ويتوجه احتمال : يلزمه دم وإن رجع .

                                                                                                          وقاله الحسن وابن المنذر ، ومعناه عن ابن عباس ، لظاهر الآية . قال القاضي في قول ابن عباس : لا يمنع أنه متمتع لكن عليه دم . وإن رجع إلى الميقات محرما فالخلاف .

                                                                                                          ( الرابع ) أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج ، تحلل أو لا فإن أحرم به قبل حله منها صار قارنا .

                                                                                                          ( الخامس ) أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ( ع ) للآية ، وهم أهل الحرم ومن كان منه ، وذكره ابن هبيرة قول أحمد والشافعي ، وقيل : من مكة ، وقاله أحمد دون مسافة قصر ، نص عليه ( و ش ) لأن .

                                                                                                          [ ص: 313 ] حاضر الشيء من حل فيه أو قرب منه وجاوره ، بدليل رخص السفر . والبعيد يترخص ، فأشبه من وراء الميقات إلينا . وقال ( م ) هم أهل مكة . وقال ( هـ ) أهل المواقيت ومن دونهم إلى مكة ، ومن منزله قريب وبعيد لم يلزمه دم ; لأن بعض أهله من حاضري المسجد ، فلم يوجد الشرط ، وله أن يحرم من القريب ، واعتبر في المجرد والفصول إقامته أكثر بنفسه ، ثم بماله ، ثم ببيته ، ثم الذي أحرم منه ( و ش ) وإن دخل أفقي مكة متمتعا ناويا للإقامة بها بعد فراغ نسكه أو نواها بعد فراغه منه فعليه الدم ( و ) وحكي وجه ، وإن استوطن أفقي مكة فحاضر . وإن استوطن مكي بالشام ثم عاد مقيما متمتعا لزمه الدم . وفي المجرد والفصول : لا ، كسفر غير مكي ثم عاد .

                                                                                                          ( السادس ) أن يحرم بالعمرة من الميقات . ذكره أبو الفرج والحلواني ، وذكر القاضي وابن عقيل وجزم به في المستوعب والرعاية وغيرهما إن بقي بينه وبين مكة دون مسافة القصر فأحرم منه لم يلزمه دم المتعة ; لأنه من حاضر المسجد ، بل دم المجاوزة ، وقاله أكثر الشافعية وبعضهم كالأول ، واختار الشيخ وغيره : إذا أحرم منه لزمه الدمان ; لأنه لم يقم ولم ينوها به ، وليس بساكن ، ونص أحمد .

                                                                                                          [ ص: 314 ] في أفقي أحرم بعمرة في غير أشهره ثم أقام بمكة واعتمر من التنعيم في أشهره وحج من عامه أنه متمتع عليه دم . قال : فالصورة الأولى أولى .

                                                                                                          وقال : قال ابن المنذر وابن عبد البر : أجمع العلماء أن من أحرم بعمرة في أشهره وحل منها وليس من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالا ثم حج من عامه أنه متمتع عليه دم .

                                                                                                          ( السابع ) نية التمتع في ابتداء العمرة أو أثنائها ، ذكره القاضي ، وتبعه الأكثر ، واختار الشيخ وغيره : لا ، وهو أصح للشافعية ، لظاهر الآية ، وحصول الترفه ، ولا يعتبر وقوع النسكين عن واحد ، ذكره بعضهم وأكثر الشافعية . ولا تعتبر هذه الشروط في كونه متمتعا ، وهو أصح للشافعية ، ومعنى كلام الشيخ : يعتبر ، وجزم به في الرعاية إلا الشرط السادس ، فإن المتعة للمكي كغيره ( و م ش ) نقله الجماعة ، كالإفراد وكسائر الطاعات ، بل هم أولى ; لأنهم سكان حرم الله ، ونقل المروذي : ليس لأهل مكة متعة ، قال القاضي وغيره : معناه ليس عليهم دم المتعة ، وذكر ابن عقيل رواية : لا يصح منهم .

                                                                                                          وقال ( هـ ) : لا يصح منه المتعة والقران ، ويكره له ذلك ، ومتى فعله لزمه دم جناية . وتحرير مذهب أبي حنيفة أن المكي لو أحرم بعمرة ثم بحج فإنه يرفض الحج وعليه لرفضه دم ، وعليه حجة وعمرة ، وعند صاحبيه : يرفض العمرة ، ويقضيها ، وعليه دم ، [ ص: 315 ] لأنه لا بد من رفض أحدهما ; لأن الجمع بينهما لا يشرع للمكي ، ورفضها أولى ; لأنها أدنى ، وأقل عملا ، وأيسر قضاء ، لعدم توقيتها ، وعند ( هـ ) تأكد إحرامها بفعله بعضها ، وفي رفضها إبطال العمل ، والحج لم يتأكد ، وفي رفضه امتناع عنه ، وإنما لزمه بالرفض دم لتحلله قبل أوانه ، لتعذر المضي فيه ، كالمحصر ، وفي رفض العمرة قضاؤها ، وفي رفض الحج قضاؤه وعمرة ; لأنه في معنى فائت الحج ، وإن مضى عليهما أجزأه لتأدية ما التزمه ، لكنه منهي عنه ، ولا يمنع تحقق الفعل ، على أصلهم ، وعليه دم ، لجمعه بينهما ، لتمكن النقص في عمله ، للنهي ، فهو دم جبر ، وفي حق الأفقي دم شكر .

                                                                                                          وإن كان طاف للعمرة أربعة أشواط ثم أحرم بالحج رفضه ; لأن للأكثر حكم الكل ، فيتعذر رفضها ، كفراغها ، والله أعلم .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية