الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم من نظر في أخبار الأمم الذين لم يكن لهم كتاب كالروم واليونان ونحوهم، علم أن النصارى أكمل منهم في الإلهيات، وأفضل وأعلم منهم وأعقل، وإنما كان يكون حذق تلك الأمم في غير العلوم الإلهية، كالطب والحساب والهيئة ونحو ذلك.

وأعظم اشتغالهم بالهيئة إنما كان لأجل الشرك والسحر ودعوة الكواكب والأوثان من دون الله، فإنهم يقولون: إنهم يستخرجون قوى الأفلاك ويمزجون بين القوة الفعالة السماوية والقوى المنفعلة الأرضية.

ولهذا يوجد في بلادهم من الطلاسم ونحوها ما هو معروف بأرض مصر والشام والجزيرة وغيرها.

فدعوى المدعي أن الناس احتاجوا، فيمن يدعونه إلى الإسلام، إلى تغيير الأصول الشرعية، التي لم يحتج الصحابة إلى تغييرها -دعوى باطلة.

الوجه الثاني: أن يقال: القرآن فيه بيان الوجوب عن هذا السؤال، وسائر ما يسأل عنه، لكن يريد الذي يجيب بما في القرآن والسنة أن يعرف معاني القرآن والسنة، ويعرف معاني كلام السائل، فإن الناس لهم عبارات يعبرون بها عن معانيهم غير العبارات التي في الكتاب والسنة، كما لأمة لسان غير لسان العرب.

فالمجيب بما جاء به الرسول يحتاج إلى أن يعرف معنى العبارتين: العبارة التي خاطب بها الرسول، والعبارة التي وقع بها السؤال. [ ص: 302 ]

ثم هذه العبارات قد تكون غريبة غير معناها، وقد لا يكون معناها مغيرا، وقد لا تكون غريبة. فلفظ الهيولى ونحوها من كلام الفلاسفة ليس غريبا في لغتهم، معناه مثل معنى المحل والموضع ونحو ذلك.

ولفظ العقل والمادة ونحوهما في كلامهم غير معناه عن معناه في لغة العرب، فإنهم يعنون بالعقل جوهرا قائما بنفسه. والعقل في لغة العرب عرض هو علم أو عمل بالعلم، وغريزة تقتضي ذلك.

والمادة من جنس الهيولى عندهم.

وكذلك لفظ الجسم والجوهر والعرض والتحيز والانقسام والتركيب: معانيها في اصطلاح النظار غير معانيها في لغة العرب. لكن هذه الألفاظ لم تستعمل في القرآن في الأمور الإلهية.

التالي السابق


الخدمات العلمية