الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب صلاة الكسوف

                                                                      1177 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسمعيل ابن علية عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أخبرني من أصدق وظننت أنه يريد عائشة قال كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم قياما شديدا يقوم بالناس ثم يركع ثم يقوم ثم يركع ثم يقوم ثم يركع فركع ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات يركع الثالثة ثم يسجد حتى إن رجالا يومئذ ليغشى عليهم مما قام بهم حتى إن سجال الماء لتصب عليهم يقول إذا ركع الله أكبر وإذا رفع سمع الله لمن حمده حتى تجلت الشمس ثم قال إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل يخوف بهما عباده فإذا كسفا فافزعوا إلى الصلاة

                                                                      التالي السابق


                                                                      قال النووي : يقال كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف ، وقال في المصباح خسف القمر ذهب ضوؤه أو نقص وهو الكسوف أيضا ، وقال ثعلب : أجود الكلام خسف القمر وكسفت الشمس ، وقال أبو حاتم : إذا ذهب بعض نور الشمس فهو الكسوف وإذا ذهب جميعه فهو الخسوف . انتهى .

                                                                      وعقد المؤلف هذا الباب لإثبات صلاة الكسوف فقط ، وأما الباب الآتي فلبيان هيئتها وأنواعها . كذا في الشرح .

                                                                      قال النووي : واعلم أن صلاة الكسوف رويت على أوجه كثيرة ، ذكر مسلم منها جملة وأبو داود أخرى وغيرهما أخرى . وأجمع العلماء على أنها سنة . ومذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أنه يسن فعلها جماعة . وقال العراقيون فرادى .

                                                                      وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره ، واختلفوا في صفتها ، فالمشهور في مذهب الشافعي أنها ركعتان ، في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان ، وأما السجود فسجدتان كغيرهما ، وسواء تمادى الكسوف أم لا . وبهذا قال مالك والليث وأحمد وأبو ثور وجمهور علماء الحجاز وغيرهم وقال الكوفيون : هما ركعتان كسائر النوافل عملا بظاهر حديث جابر بن سمرة وأبي بكرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى ركعتين .

                                                                      وحجة الجمهور حديث عائشة من رواية عروة وعمرة ، وحديث جابر وابن عباس وابن عمر وابن العاص أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان . قال ابن عبد البر : وهذا أصح ما في هذا الباب . قال : وباقي الروايات المخالفة معللة ضعيفة انتهى .

                                                                      وما قاله ابن عبد البر فيه كلام والله أعلم .

                                                                      ( أخبرني من أصدق ) : وهكذا في رواية لمسلم . قال النووي : له حكم المرسل إذ قلنا بمذهب الجمهور إن قوله أخبرني الثقة ليس بحجة . قلت : وفي رواية لمسلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن عائشة ( وظننت ) : ولفظ مسلم حسبته وهذه مقولة عطاء ( أنه ) : أي عبيد بن عمير ( قال كسفت الشمس على عهد [ ص: 32 ] النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) : بالمدينة في السنة العاشرة من الهجرة كما عليه جمهور أهل السير في ربيع الأول أو في رمضان أو في ذي الحجة في عاشر الشهر وعليه الأكثر ( قياما شديدا ) : أي طويلا لطول القراءة فيه ( في كل ركعة ثلاث ركعات ) : أي ثلاث ركوعات ، وهذا يدل على أن المشروع في صلاة الكسوف في كل ركعة ثلاث ركوعات أيضا ( حتى إن سجال الماء ) : جمع سجل وهو الدلو الملاء ( حتى تجلت الشمس ) : بالمثناة الفوقية وتشديد اللام ، أي صفت وعاد نورها ( لموت أحد ) : من الناس ( فافزعوا إلى الصلاة ) : أي بادروا إليها .

                                                                      قال النووي : معناه بادروا بالصلاة وأسرعوا إليها حتى يزول عنكم هذا العارض الذي يخاف كونه مقدمة عذاب . انتهى . وفيه بيان أن السنة أن يصلى الكسوف جماعة ، وفيه بيان أن يركع في كل ركعة ثلاث ركعات .

                                                                      قال الخطابي : وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي : يركع ركعتين في ركعة ركوع واحد كسائر الصلوات . واختلفت الروايات في هذا الباب ، فروي أنه ركع ركعتين في أربع ركعات وأربع سجدات وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ، وروي أنه ركعهما في ركعتين وأربع سجدات ، وروي أنه ركع ركعتين في ست ركعات وأربع سجدات ، وروي أنه ركع ركعتين في عشر ركعات وأربع سجدات .

                                                                      وقد ذكر أبو داود أنواعا منها ، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك أنه صلاها مرات وكرات فكانت إذا طالت مدة الكسوف مد في صلاته وزاد في عدد الركوع ، وإذا قصرت نقص من ذلك ، وكل ذلك جائز يصلى على حسب الحال ومقدار الحاجة فيه . انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي ، بنحوه .

                                                                      [ ص: 33 ] 260 - باب من قال أربع ركعات




                                                                      الخدمات العلمية