الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فوربك لنسألنهم أجمعين أي لنسألن يوم القيامة أصناف الكفرة مطلقا المقتسمين وغيرهم سؤال تقريع وتوبيخ عما كانوا يعملون في الدنيا من قول وفعل وترك فيدخل فيه ما ذكر من الاقتسام والتعضية دخولا أوليا أو لنجازينهم على ذلك، وعلى التقديرين لا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى: فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان لأن المراد هنا حسبما أشرنا إليه إثبات سؤال التقريع والتوبيخ أو المجازاة بناء على أن السؤال مجاز عنها وهناك نفي سؤال الاستفهام لأنه تعالى عالم بجميع أعمالهم وروي هذا عن ابن عباس ، وضعف هذا الإمام بأنه لا معنى لتخصيص نفي سؤال الاستفهام بيوم القيامة لأن ذلك السؤال محال عليه تعالى في كل وقت.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجيب بأنه بناء على زعمهم [ ص: 85 ] كقوله تعالى: وبرزوا لله جميعا فإنه يظهر لهم في ذلك اليوم أنه سبحانه لا يخفى عليه شيء فلا يحتاج إلى الاستفهام. وقيل: المراد لا سؤال يومئذ منه تعالى ولا من غيره بخلاف الدنيا فإنه ربما سأل غيره فيها. ورد بأن قوله: لأنه سبحانه عالم بجميع أعمالهم يأباه.

                                                                                                                                                                                                                                      واختار غير واحد في الجمع أن النفي بالنسبة إلى بعض المواقف والإثبات بالنسبة إلى بعض آخر، وسيأتي تمام الكلام في ذلك، واستظهر بعضهم عود الضمير في لنسألنهم إلى المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين للقرب، وجوز أن يعود على الجميع من مؤمن وكافر لتقدم ما يشعر بذلك من قوله سبحانه: وقل إني أنا النذير المبين وما للعموم كما هو الظاهر، وأخرج ابن جرير وغيره وعن أبي العالية أنه قال في الآية: يسأل العباد كلهم يوم القيامة عن خلتين عما كانوا يعبدون وعما أجابوا به المرسلين.

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وجماعة عن أنس عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: « يسألون عن قول لا إله إلا الله » وأخرجه البخاري في تاريخه، والترمذي من وجه آخر عن أنس موقوفا، وروي أيضا عن ابن عمر ، ومجاهد ، والمعنى على ما في البحر يسألون عن الوفاء بلا إله إلا الله والتصديق لمقالها بالأعمال، والفاء قيل لترتيب الوعيد على أعمالهم التي ذكر بعضها، وقيل: لتعليل النهي والأمر فيما سبق، وزعم أنها الفاء الداخلة على خبر الموصول كما في قولك: الذي يأتيني فله درهم مبني على أن (الذين) مبتدأ وقد علمت حال ذلك، وفي التعرض لوصف الربوبية مضافا إلى ضميره عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى من إظهار اللطف به صلى الله تعالى عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية