الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1127 1182 - حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع أربعا قبل الظهر ، وركعتين قبل الغداة . تابعه ابن أبي عدي وعمرو عن شعبة . [مسلم : 730 - فتح: 3 \ 58]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عمر :

                                                                                                                                                                                                                              حفظت من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر ركعات : ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها . الحديث

                                                                                                                                                                                                                              سلف قريبا في باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى ، وهو مطابق لما ترجم له . وحديث عائشة :

                                                                                                                                                                                                                              كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدع أربعا قبل الظهر ، وركعتين قبل الغداة . فما زاد ، ولعل وجهه أنه صلى ركعتين فما زاد .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري : تابعه ابن أبي عدي وعمرو عن شعبة يعني أنهما تابعا يحيى بن سعيد على روايته عن شعبة . وابن أبي عدي : (ع ) هو [ ص: 196 ] محمد بن إبراهيم ، وعمرو (خ مقرونا ، د ) : هو ابن مرزوق أبو عثمان الباهلي مولاهم بصري . وتابعهما عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة ، أخرجه النسائي ، لكن بزيادة مسروق قبل عائشة ، ثم قال : ولم يتابع عليه . وتابعه محمد بن جعفر عن شعبة كالجماعة ، وصوب المنيعي إثبات مسروق ، ووهم إسقاطه .

                                                                                                                                                                                                                              قال الإسماعيلي : وقد ذكر سماع (ابن المنتشر ) عن عائشة غير واحد . فالعمل في ذلك على عثمان بن عمر فإن يحيى بن سعيد لم يكن ليحمل كذا إن شاء الله وقد جاء به غندر ووكيع وكفى بهما ، قال : وتابع يحيى ابن المبارك ومعاذ بن معاذ وابن أبي عدي ، ووهب بن جرير .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الترمذي والنسائي من حديث المغيرة بن زياد عن عطاء -وهو ابن أبي رباح- عن عائشة مرفوعا : "من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة دخل الجنة : أربعا قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل الفجر " . قال الترمذي : حديث غريب من هذا الوجه . ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه . وقال النسائي : هذا خطأ ، ولعله [ ص: 197 ] أراد عنبسة بن أبي سفيان ، فصحف -يعني حديث عنبسة - عن أم حبيبة مرفوعا : "من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة : أربعا قبل الظهر . . . " الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              ولمسلم من حديث عبد الله بن شقيق : سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عن تطوعه ، فقالت : كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ، ثم يخرج فيصلي بالناس ، ثم يدخل فيصلي ركعتين . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وللترمذي : قبل الظهر ركعتين . وصححه . والأول هو المشهور من رواية عائشة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الترمذي من هذا الوجه : كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر ، صلاهن بعدها . ثم قال : حسن غريب .

                                                                                                                                                                                                                              واختلفت الأحاديث في التنفل قبل الظهر وبعدها . ففي حديث عائشة [ ص: 198 ] ما علمته ، وفي حديث ابن عمر المذكور في الباب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركع ركعتين قبلها ، وركعتين بعدها .

                                                                                                                                                                                                                              ولأبي داود من حديث البراء : ركعتين قبلها . واستغربه الترمذي وحسنه . ولا تخالف بينها ; لأن كل واحد أخبر بما رأى . وأجاب الداودي بأن ابن عمر قد ينسى بعض ذلك . وكان جماعة من السلف يفعلون ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن ابن مسعود وابن عمر ، والبراء ، وأبي أيوب أنهم كانوا يصلون قبل الظهر . وعن ابن المسيب مثله .

                                                                                                                                                                                                                              وقال إبراهيم : من السنة أربع قبل الظهر وركعتان بعدها سنة .

                                                                                                                                                                                                                              وصوب الطبري الروايتين ، وأن كلا منهما صحيح ، والأربع في كثير أحواله ، وركعتين في قليلها .

                                                                                                                                                                                                                              وإذا كان ذلك كذلك فللمرء أن يصلي قبل الظهر ما شاء ; لأن ذلك تطوع ، وقد ندب الله المؤمنين إلى التقرب إليه بما أطاقوا من فعل الخير .

                                                                                                                                                                                                                              والصلاة بعد الزوال وقبل الظهر كانت تعدل بصلاة الليل في الفضل .

                                                                                                                                                                                                                              روي هذا عن جماعة من السلف . وذكر ابن قدامة الحنبلي أن الراتبة عندهم قبل الظهر ركعتان ، وركعتان بعدها . واستدل بحديث ابن عمر [ ص: 199 ] هذا . وقال الشافعي : قبل الظهر أربع . وقال صاحب "البداية " الحنفي : أربع قبلها ، وركعتان بعدها . واستدل بحديث عائشة في الباب ، وبحديث أم حبيبة . أخرجه الترمذي وصححه ، وعنها : "من صلى أربعا قبل الظهر ، وأربعا بعدها ، حرمه الله على النار " أخرجه الترمذي ، وقال : حسن غريب . وقال مرة : حسن صحيح غريب . وأخرجه أبو داود ، والنسائي أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              ولأبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه من حديث أبي أيوب مرفوعا : "أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء " وللترمذي عن علي : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الظهر أربعا ، وبعدها ركعتين . ثم قال : حسن ، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ، ومن بعدهم يختارون أن يصلي الرجل قبل الظهر أربعا . وهو قول الثوري ، وابن المبارك ، وإسحاق .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 200 ] ولابن منصور في "سننه " من حديث البراء قال : "من صلى قبل الظهر أربعا كان كمن تهجد من ليلته ، ومن صلاهن بعد العشاء كان كمثلهن من ليلة القدر " .

                                                                                                                                                                                                                              وللترمذي من حديث عبد الله بن السائب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر ، وقال : "إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح " وقد سلف . قال الترمذي : حديث حسن غريب ، وفي الباب عن علي ، وأبي أيوب .

                                                                                                                                                                                                                              وله من حديث عمر رفعه : "أربع قبل الظهر بعد الزوال تحسب بمثلهن من صلاة السحر ، فليس شيء إلا يسبح الله تلك الساعة ، ثم قرأ : يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله الآية [النحل : 48] كلها " . ثم قال : حديث غريب .

                                                                                                                                                                                                                              قال القرطبي : واختلف العلماء هل للفرائض رواتب مسنونة أو ليس لها ؟ فذهب الجمهور وقالوا : هي سنة مع الفرائض . وذهب مالك في المشهور عنه : إلى أنه لا رواتب في ذلك ، ولا توقيت عدا ركعتي الفجر ؟ حماية للفرائض . ولا يمنع من تطوع بما شاء إذا أمن ذلك . قال : وذهب العراقيون من أصحابنا إلى استحباب الركوع بعد الظهر ، وقبل العصر ، وبعد المغرب .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية