الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحمد بن محمد بن أحمد أبو بكر بن أبي الفتح الدينوري الحنبلي ، سمع الحديث وتفقه على أبي الخطاب الكلوذاني ، وأفتى ودرس وناظر وكان أسعد الميهني يقول : ما اعترض أبو بكر الدينوري على دليل أحد [ ص: 317 ] إلا ثلمه ، وقد تخرج به الشيخ أبو الفرج بن الجوزي وأنشد عنه قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تمنيت أن تمسي فقيها مناظرا بغير عناء فالجنون فنون     وليس اكتساب المال دون مشقة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تلقيتها فالعلم كيف يكون

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن أبو المظفر القشيري آخر من بقي منهم سمع أباه وأبا بكر البيهقي وغيرهما وسمع منه عبد الوهاب الأنماطي ، وأجاز ابن الجوزي وقارب التسعين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر أبو الحسن الكرجي ، سمع الكثير في بلاد شتى ، وكان فقيها مفتيا ، تفقه بأبي إسحاق وغيره من أئمة الشافعية وكان أديبا شاعرا فصيحا ، وله مصنفات كثيرة ; منها الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول ، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد ، ويحكي فيه أشياء غريبة حسنة ، وله تفسير وكتاب في الفقه وكان لا يقنت في الفجر ، ويقول : لم يصح ذلك في حديث ، وقد كان إمامنا الشافعي يقول : إذا صح الحديث فاضربوا بقولي هذا الحائط ، وقد كان حسن الصورة جميل المعاشرة ومن شعره :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 318 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تناءت داره عني ولكن     خيال جماله في القلب ساكن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا امتلأ الفؤاد به فماذا     يضر إذا خلت منه الأماكن

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي رحمه الله ، وقد جاوز السبعين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخليفة الراشد منصور بن المسترشد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولي الخلافة بعد أبيه ثم خلع ، فذهب مع العماد زنكي إلى أرض الموصل ، ثم جمع جموعا فاقتتل مع الملك مسعود في هذه السنة فهزمهم ، فذهب إلى أصبهان فقتل بعد مرض أصابه ، فقيل : إنه سم ، وقيل : قتلته الباطنية وقيل : قتله الفراشون الذين كانوا يلون أمره ، فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد حكى ابن الجوزي عن أبي بكر الصولي أنه قال : الناس يقولون : كل سادس يقوم بأمر الناس من أول الإسلام لا بد أن يخلع قال ابن الجوزي : فتأملت ذلك فرأيته عجبا ; قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن فخلع ، ثم معاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك ثم عبد الله بن الزبير فخلع وقتل ، ثم الوليد وسليمان ثم عمر بن عبد العزيز ويزيد وهشام ثم الوليد بن يزيد فخلع وقتل ، ولم ينتظم لبني أمية بعده أمر حتى قام السفاح العباسي ثم أخوه المنصور ثم المهدي ثم الهادي ثم الرشيد ثم الأمين فخلع وقتل ، ثم المأمون والمعتصم [ ص: 319 ] والواثق والمتوكل والمنتصر ثم المستعين فخلع وقتل ، ثم المعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي ثم المقتدر فخلع ثم أعيد فقتل ، ثم القاهر والراضي والمتقي والمكتفي والمطيع ثم الطائع فخلع ، ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد ثم الراشد فخلع وقتل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أنوشروان بن خالد بن محمد القاشاني الفيني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من قرية فين من قاشان الوزير أبو نصر وزر للسلطان محمود وللخليفة المسترشد ، وكان عاقلا مهيبا عظيم الخلقة ، وهو الذي ألزم أبا محمد الحريري بتكميل المقامات ، وكان سبب ذلك أن أبا محمد الحريري كان جالسا ذات يوم في مسجد بني حرام من محال البصرة فدخل عليه شيخ ذو طمرين ، فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا رجل من سروج يقال لي أبو زيد ، فعمل الحريري المقامة الحرامية واشتهرت في الناس ، فلما طالعها الوزير أنوشروان أعجب بها ، وكلف أبا محمد الحريري أن يزيد عليها غيرها فعمل معها تمام خمسين مقامة ، فهي هذه المشهورة المتداولة بين الناس ، وقد كان الوزير كريما محمدا غير أنه كان ينسب إلى التشيع وقد مدحه الحريري فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا ليت شعري والتمني تعلة     وإن كان فيه راحة لأخي الكرب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أتدرون أني مذ تناءت دياركم     وشط اقترابي من جنابكم الرحب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أكابد شوقا ما يزال أواره     يقلبني في الليل جنبا على جنب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 320 ] وأذكر أيام التلاقي فأنثني     لتذكارها بادي الأسى طائر اللب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولي حنة في كل وقت إليكم     ولا حنة الصادي إلى البارد العذب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فوالله لو أني كتمت هواكم     لما كان مكتوما بشرق ولا غرب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومما شجا قلبي المعنى وشفه     رضاكم بإهمال الإجابة عن كتبي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كنت لا أخشى مع الذنب جفوة     فقد صرت أخشاها وما لي من ذنب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما سرى الوفد العراقي نحوكم     وأعوزني المسرى إليكم مع الركب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جعلت كتابي نائبي عن ضرورة     ومن لم يجد ماء تيمم بالترب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونفذت أيضا بضعة من جوارحي     لتنبئكم عن شرح حالي وتستنبي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولست أرى إذ كاركم بعد خبركم     بمكرمة حسبي اهتزازكم حسبي



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية