الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا ، ثم ابنها ثم ابنه ، وإن نزل ثم أخوها لأبويها ثم لأبيها ، والتسوية بين الجد والأخ ، وبين الأخ للأبوين ، والأخ من الأب ، ثم بنو الإخوة وإن سفلوا ، ثم العم ثم ابنه ، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث ، ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب ، ثم السلطان .

                                                                                                                          فأما الأمة ، فوليها سيدها ، وإن كانت لامرأة ، فوليها ولي سيدتها ، ولا يزوجها إلا بإذنها .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها ) على المذهب ; لقوله تعالى ووهبنا له يحيى [ الأنبياء : 90 ] ; لأن الولد موهوب لأبيه ، وقال إبراهيم عليه السلام الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق [ إبراهيم : 39 ] ، وقال عليه السلام : أنت ومالك لأبيك وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس ; لأن الأب أكمل نظرا ، وأشد شفقة ، بخلاف الميراث ; بدليل أنه يجوز أن يشتري لها من ماله وله من مالها ، وقيل : يقدم الابن عليه كالميراث ، وأخذه في " الانتصار " من نقل حنبل : العصبة : من أحرز المال ( ثم أبوه ، وإن علا ) على الأشهر ; لأن الجد له إيلاد وتعصب ، أشبه الأب ( ثم ابنها ، ثم ابنه ، وإن نزل ) ; لما تقدم في الميراث ، [ ص: 31 ] وللابن ولاية ، نص عليه في رواية جماعة ; لحديث أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليها ، فقالت : ليس أحد من أوليائي شاهد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك ، فقالت لابنها : يا عمر قم فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزوجه رواه أحمد والنسائي ، فدل على أن لها وليا شاهدا أي : حاضرا ، ويحتمل أنها ظنت أنه ابنها عمر ، ولا ولاية له ; لأن وجوده كالعدم ; لصغره ، فإنه عليه السلام تزوجها سنة أربع ، وقال ابن الأثير : كان عمر عمر حين وفاته عليه الصلاة والسلام تسع سنين ، وإنه ولد سنة اثنتين من الهجرة ، وعلى هذا يكون عمره حين التزويج ثلاث سنوات ( ثم أخوها لأبويها ) كالميراث ( ثم لأبيها ) في رواية اختارها أبو بكر ، وصححها في " المغني " و " الشرح " كالإرث وعلى استحقاقه بالولاء ، وأنه يقدم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب ، وإن كان النساء لا مدخل لهن فيه ( وعنه : تقديم الابن على الجد ) اختارها الشيرازي ، وابن أبي موسى ، والسامري ، وغيرهم كالميراث ، وعنه على هذه : يقدم الأخ على الجد ; لإدلائه بالبنوة ، وعنه : سواء لامتياز كل واحد منهما بمرجح ( والتسوية بين الجد والأخ ) ; لاستوائهما في الميراث والتعصيب ( وبين الأخ للأبوين والأخ من الأب ) نص عليه في رواية صالح ، وحرب ، وأبي الحارث ، وهي المذهب عند الخرقي ، والقاضي ، ومعظم أصحابه ; لأنهما استويا في الجهة التي تستفاد منها في الولاية ، وهي العصوبة التي من جهة الأب ، فاستويا في النكاح ، كما لو كانا من أب ، وقرابة الأم لا مدخل لها في النكاح .

                                                                                                                          [ ص: 32 ] ( ثم بنو الأخوة ، وإن سفلوا ) كالميراث ، وعلى الثانية : ابن الأخ من الأب مساو لابن الأخ من الأبوين ( ثم العم ، ثم ابنه ) ; لما ذكرنا ، فإن كانا أبناء عم أحدهما أخ لأم ، فقال القاضي وطائفة : هما على ما تقدم من الخلاف في ابني عم أحدهما من الأبوين والآخر من الأب ، وقال المؤلف : هما سواء ; لأنهما استويا في التعصيب والإرث به ، وجهة الأم يورث بها منفردة ولا ترجيح بها .

                                                                                                                          ( ثم فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث ) ; لأن الولاية مبناها على النظر والشفقة ، ومظنة ذلك القرابة ، والأحق بالميراث هو الأقرب ، فيكون أحق بالولاية ، قال ابن هبيرة : اتفقوا على أن الولاية في النكاح لا تثبت إلا لمن يرث بالتعصيب ، وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم ، وأولى ولد كل أب أقربهم إليه ، لا نعلم فيه خلافا ( ثم المولى المنعم ) أي : المعتق ( ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب ) ; لأنهم عصبات ، يرثون ويعقلون ، فكذلك يزوجون ، وقدم هنا المناسبون كالميراث ، فيقدم ابن المعتق على أبيه ; لأنه إنما قدم هناك لزيادة شفقته وكمال نظره ، وهنا النظر لأقرب العصبة ، وقيل : يقدم أبوها على ابنها كالأصل ( ثم السلطان ) ; لما ذكرنا ، وهو الإمام أو نائبه ، قال أحمد : القاضي أحب إلي من الأمير في هذا ، انتهى ، وظاهره ولو من بغاة إذا استولوا على بلد ، فإن عدم ، وكلت ، قاله في " الفروع " ، وظاهر كلامهم أنه لا ولاية لغير من ذكر ، فيدخل فيه من أسلمت على يديه ، فإنه لا يلي نكاحها على الأشهر ، وفيه رواية كالإرث ولا والي البلد ، وعنه عند عدم القاضي ، وحملها [ ص: 33 ] القاضي على أنه أذن له في التزويج ، وذكر الشيخ تقي الدين الجواز مطلقا للضرورة .

                                                                                                                          تنبيه : إذا لم يكن للمرأة ولي ، فظاهر كلامهم أنه لا بد منه مطلقا ، قال أبو يعلى الصغير في رجل وامرأة في سفر ، ليس معهما ولي ولا شهود : لا يجوز أن يتزوج بها ، وإن خاف الزنا بها ، وعنه : يزوجها عدل بإذنها ، قال ابن عقيل : أخذ قوم من أصحابنا على أن النكاح لا يقف على ولي ، ونصوص أحمد تمنعه ، وأخذه المؤلف من دهقان القرية ، قال الشيخ تقي الدين : تزويج الأيامى فرض كفاية ، فإن أباه حاكم إلا بظلم كطلبه جعلا لا يستحقه ، صار وجوده كالعدم ، فقيل : توكل من يزوجها ، وقيل : لا تتزوج ، والصحيح ما نقل عن أحمد : يزوجها ذو السلطان في ذلك المكان كالعضل ( فأما الأمة ) حتى الآبقة ( فوليها سيدها ) إذا كان من أهل الولاية بغير خلاف نعلمه ; لأنه عقد على منافعها ، فكان إليه كإجارتها ولو مكاتبا أو فاسقا ، فإن كان لها سيدان لم يجز إلا بإذنها ( فإن كانت لامرأة ، فوليها ولي سيدتها ) هذا هو المختار من الروايات ، صححه القاضي ، وقطع به أبو الخطاب ; لأن الأصل في الولاية لها ; لأنها مالها ، وإنما امتنعت في حقها لانتفاء عبارتها في النكاح ، وحينئذ تثبت لأوليائها ، يؤيده ما احتج به أحمد من حديث أبي هريرة ، قال : لا تنكح المرأة نفسها ، ولا تنكح من سواها وروي عنه رواه ابن ماجه ، والدارقطني ، وصححه ، والنهي دليل الفساد ، وهو قول جمهور الصحابة ( ولا يزوجها إلا بإذنها ) أي : شرطها إذنها لوليها ; لأن الأمة لها ، والتصرف في مال الرشيدة لا يكون إلا بإذنها ، فإن كانت رشيدة أو لغلام مجنون ، فوليها من يلي ماله ; لأنه تصرف في نفعها كإجارتها ، [ ص: 34 ] ويعتبر في إذنها النطق وإن كانت بكرا ، قاله المؤلف وغيره ; إذ الصمات إنما اكتفي به في تزويجها نفسها لحيائها ، وهي لا تستحي من تزويج أمتها ، وعنه : أي رجل أذنت له سيدتها من غير أن تباشره هي ; لأن سبب الولاية الملك ، وإنما امتنعت المباشرة لنقص الأنوثة ، فملكت التوكيل كالمريض والغائب ، وعنه : تعقده هي ، فعبارتها على هذه معتبرة بأن التزويج على الملك لا يحتاج إلى أهلية الولاية ; بدليل تزويج الفاسق مملوكته .

                                                                                                                          فرع : عتيقتها كأمتها إن طلبت وأذنت ، وقلنا : يلي عليها في رواية ، ولو عضلت المولاة زوج وليها ، ففي إذن سلطان وجهان ، ويجبرها من يجبر المولاة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية