الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            والتاسع : قوله : [ ص: 106 ] ( وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : السبع : اسم يقع على ما له ناب ويعدو على الإنسان والدواب ويفترسها ، مثل الأسد وما دونه ، ويجوز التخفيف في سبع فيقال : سبع وسبعة ، وفي رواية عن أبي عمرو : السبع بسكون الباء ، وقرأ ابن عباس : وأكيل السبع .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال قتادة : كان أهل الجاهلية إذا جرح السبع شيئا فقتله وأكل بعضه أكلوا ما بقي ، فحرمه الله تعالى . وفي الآية محذوف تقديره : وما أكل منه السبع لأن ما أكله السبع فقد نفد ولا حكم له ، وإنما الحكم للباقي .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : أصل الذكاء في اللغة إتمام الشيء ، ومنه الذكاء في الفهم وهو تمامه ، ومنه الذكاء في السن ، وقيل : جري المذكيات غلاب ، أي : جري المسنات التي قد أسنت ، وتأويل تمام السن النهاية في الشباب ، فإذا نقص عن ذلك أو زاد فلا يقال له الذكاء في السن ، ويقال ذكيت النار أي : أتممت إشعالها .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا الأصل فنقول : الاستثناء المذكور في قوله : ( إلا ما ذكيتم ) فيه أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه استثناء من جميع ما تقدم من قوله : ( والمنخنقة ) إلى قوله : ( وما أكل السبع ) وهو قول علي وابن عباس والحسن وقتادة ، فعلى هذا إنك إن أدركت ذكاته بأن وجدت له عينا تطرف أو ذنبا يتحرك أو رجلا تركض فاذبح فإنه حلال ، فإنه لولا بقاء الحياة فيه لما حصلت هذه الأحوال ، فلما وجدتها مع هذه الأحوال دل على أن الحياة بتمامها حاصلة فيه .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : أن هذا الاستثناء مختص بقوله : ( وما أكل السبع ) .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثالث : أنه استثناء منقطع كأنه قيل : لكن ما ذكيتم من غير هذا فهو حلال .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الرابع : أنه استثناء من التحريم لا من المحرمات ، يعني حرم عليكم ما مضى إلا ما ذكيتم فإنه لكم حلال . وعلى هذا التقدير يكون الاستثناء منقطعا أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية