الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قال : إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين وقال المولى : إذا جاء غد فأنت حرة فجاء الغد لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعدتها ثلاث حيض ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمد : زوجها يملك الرجعة ) عليها ، لأن الزوج قرن الإيقاع بإعتاق المولى حيث علقه بالشرط الذي علق به المولى العتق ، وإنما ينعقد المعلق سببا عند الشرط والعتق يقارن الإعتاق لأنه علته [ ص: 46 ] أصله الاستطاعة مع الفعل فيكون التطليق مقارنا للعتق ضرورة فتطلق بعد العتق فصار كالمسألة الأولى ولهذا تقدر عدتها بثلاث حيض . ولهما أنه علق الطلاق بما علق به المولى العتق ثم العتق يصادفها وهي أمة فكذا الطلاق والطلقتان تحرمان الأمة حرمة غليظة ، بخلاف المسألة الأولى لأنه علق التطليق بإعتاق المولى فيقع الطلاق بعد العتق على ما قررناه ، وبخلاف العدة لأنه يؤخذ فيها بالاحتياط ، وكذا الحرمة الغليظة يؤخذ فيها بالاحتياط ، ولا وجه إلى ما قال لأن العتق لو كان يقارن الإعتاق لأنه علته فالطلاق يقارن التطليق لأنه علته فيقترنان .

التالي السابق


( قوله ولو قال أي لامرأته الأمة : إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين ، وقال لها المولى : إذا جاء غد فأنت حرة فجاء الغد لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعدتها ثلاث حيض ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمد : زوجها يملك الرجعة ) ولم يذكر الاختلاف على رواية أبي سليمان بل على رواية الشيخ أبي حفص . وجه هذه الرواية أن الزوج قرن الإيقاع بإعتاق المولى حيث علقه بالشرط الذي علق به المولى عتقها ، والمعلق إنما ينعقد سببا عند الشرط ( والعتق يقارن الإعتاق لأنه علته [ ص: 46 ] أصله الاستطاعة مع الفعل ) الذي يقام بها فيقترنان في الخارج ( فيكون التطليق الذي هو السبب مقارنا للعتق المقارن للإعتاق فتطلق بعد العتق وصار كالمسألة الأولى ولهذا تقدر عدتها بثلاث حيض . ولهما أنه علق الطلاق بما علق به المولى العتق ثم العتق يصادفها أمة ، فكذا الطلاق والطلقتان تحرمان الأمة حرمة غليظة بخلاف المسألة الأولى فإنه علق التطليق بإعتاق المولى فيقع الطلاق بعد العتق على ما قررناه . وبخلاف العدة لأنه يؤخذ فيها بالاحتياط وكذا الحرمة الغليظة ) ثم رد المصنف قول محمد بقوله ( ولا وجه إلى ما قال لأن العتق لو كان يقارن الإعتاق لأنه علته فالطلاق يقارن التطليق لأنه علته فيقترنان ) أي فيقترن الطلاق بالعتق فيصادفها على ما صادفها عليه العتق وهي أمة فتحرم ، وحقيقة محل الغلط في تقرير قول محمد من جعل العتق شرطا على ما يعطيه قوله والمعلق إنما ينعقد سببا عند الشرط : يعني فلا ينعقد التطليق سببا إلا عند وجود العتق المقارن للإعتاق .

لكنه ليس كذلك بل الشرط مجيء اليوم كما هو الشرط في الإعتاق ، فإن كانت العلة مع المعلول يلزم أن عند مجيء الغد يقترن كل من التطليق والإعتاق والطلاق والعتق فينزل الطلاق حسبما ينزل العتق وهي أمة فتحرم حرمة غليظة .

وإذ قد بعد هذا التوجيه لمحمد وجه بتوجيهات أخر : أحدها أنه اعتبر قول القران في العتق والتعاقب في الطلاق في هذه المسألة لكون الإعتاق مندوبا فلتعتبر سرعة نزوله والتطليق محظور فيعتبر متأخرا نظيره البيع الصحيح ينزل الملك فيه بمجرد العقد والفاسد يتأخر فيه إلى القبض للحظر ، وتوضيحه أنه ينزل عند وجود الغد التطليق والإعتاق والعتق مقترنة ، وينزل الطلاق بعدها وهي حرة وهذه في البين . اعلم أن العقلاء اختلفوا في العلة مع المعلول ، فذهبت طائفة إلى أن المعلول يعقبها بلا فصل ، والجمهور على أنهما معا في الخارج ، وطائفة منهم خصوا العلل الشرعية فجعلوها تستعقب المعلول لأنها اعتبرت كالأعيان باقية فأمكن فيها اعتبار الأصل وهو تقدم المؤثر على الأثر ، بخلاف نحو الاستطاعة مع الفعل لأنها عرض لا يبقى فلم يمكن اعتبار تقديمها وإلا بقي الفعل بلا قدرة ، والذي نختاره التعقيب [ ص: 47 ] في العلل الشرعية والعقلية حتى إن الانكسار يعقب الكسر في الخارج .

غير أنه لسرعة إعقابه مع قلة الزمن إلى الغاية إذا كان آنيا لم يقع تمييز التقدم والتأخر فيهما ، وهذا لأن المؤثر لا يقوم به التأثير وحالة خروجه من العدم لم يكن ثابتا فلا بد من أن تكمل هويته ليقوم به عارضه وإلا لم يكن مؤثرا . والله أعلم . وثانيها أن المعلق كالمرسل عند الشرط فكأن المولى والزوج أرسلا عنده فيسبق وقوع الأوجز وأنت حرة أوجز من أنت طالق ثنتين فتطلق بعد الحرية ثنتين فلا تحرم بهما . وثالثها لما تعلقا بشرط واحد طلقت زمن نزول الحرية فيصادفها حرة لاقترانهما وجودا ، ولأن الملك كان ثابتا بيقين فلا يزول بالشك .

قلنا : التعلق بشرط واحد يقتضي أن يصادفها على الحالة التي صادفها عليها العتق وهي الرق فتغلظ الحرمة بلا شك فبطل الأخير ، وإطباق العقلاء على أن الشيء زمن خروجه من العدم ليس بثابت فانتفى ما قبله ، والوقوع عند الشرط لا يتوقف على مضي قدر التكلم من الزمان بل بمجرد نزوله ينزل في أول آن يعقبه لأنه نزول حكم فبطل ما قبلهما ورفع الأثر في البيع الفاسد لما أمكن وهو مطلوب شرعا أخر إلى غاية يناسب التأخير إليها أعني القبض الذي له شبه بالعقد على ما عرف في الفصل الذي يلي باب المهر .

أما ما نحن فيه فلو أمكن رفعه لم يكن بعد وجود الشرط غاية يناسب اعتبار تأخير ثبوته إليها كما هو في البيع فكيف وهو غير ممكن الرفع ولا الدفع فلا فائدة في تأخيره بل هو محل بالاحتياط فبطل الأول .




الخدمات العلمية