الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ورضيت لكم الإسلام دينا ) والمعنى أن هذا هو الدين المرضي عند الله تعالى ويؤكده قوله تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) [ آل عمران : 83 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وهذا من تمام ما تقدم ذكره في المطاعم التي حرمها الله تعالى ، يعني أنها وإن كانت محرمة إلا أنها تحل في حالة الاضطرار ، ومن قوله : ( ذلكم فسق ) إلى ههنا اعتراض وقع في البين ، والغرض منه تأكيد ما ذكر من معنى التحريم ، فإن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام الذي هو الدين المرضي عند الله تعالى ، ومعنى اضطر أصيب بالضر الذي لا يمكنه الامتناع معه من الميتة . والمخمصة المجاعة . قال أهل اللغة : الخمص خلو البطن من الطعام عند الجوع ، وأصله من الخمص الذي هو ضمور البطن . يقال : رجل خميص وخمصان وامرأة خميصة وخمصانة والجمع خمائص وخمصانات ، وقوله ( غير متجانف لإثم ) أي : غير متعمد ، وأصله في اللغة من الجنف الذي هو الميل ، قال تعالى : ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما ) [البقرة : 182] أي : ميلا ، فقوله ( غير متجانف ) أي : غير مائل وغير منحرف ، ويجوز أن ينتصب " غير " بمحذوف مقدر على معنى فتناول غير متجانف ، ويجوز أن ينصب بقوله : ( اضطر ) ويكون المقدر متأخرا على معنى : فمن اضطر غير متجانف لإثم فتناول فإن الله غفور رحيم ، ومعنى الإثم ههنا في قول أهل العراق أن يأكل فوق الشبع تلذذا ، وفي قول أهل الحجاز أن يكون عاصيا بسفره ، وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في تفسير سورة البقرة في قوله : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) [البقرة : 173] وقوله : ( فإن الله غفور رحيم ) يعني يغفر لهم أكل المحرم عندما اضطر إلى أكله ، ورحيم بعباده حيث أحل لهم ذلك المحرم عند احتياجهم إلى أكله .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية