الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ويقطع الحاج التلبية عند رمي أول حصاة من جمرة العقبة ، قال أحمد : يلبي حتى يرمي جمرة العقبة يقطع عند أول حصاة ( و هـ ش ) لأن في الصحيحين عن ابن عباس { أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة ، ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى ، فكلاهما [ ص: 347 ] قال : لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة } . وللنسائي : { فلما رمى قطع التلبية } ، ورواه حنبل : { قطع عند أول حصاة } .

                                                                                                          وكان ابن عباس بعرفة فقال : مالي لا أسمع الناس يلبون ؟ فقال سعيد بن جبير : يخافون من معاوية . فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبيك اللهم لبيك ، فإنهم قد تركوا السنة عن بغض علي . رواه النسائي بإسناد جيد ، وفيه خالد بن مخلد ثقة ، لكنه شيعي له مناكير .

                                                                                                          { ولبى النبي صلى الله عليه وسلم بمزدلفة } ، قاله ابن مسعود ، رواه مسلم . { ولبى من منى إلى عرفة ، فقيل له : ليس يوم تلبية بل يوم تكبير ، فقال : أجهل الناس أم نسوا } ؟ { خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخالطها تكبير أو تهليل } . رواه أحمد ، ولأنه يتحلل بشروعه في الرمي فيقطعها كالمعتمر بشروعه في الطواف ، بخلاف ما قبله . وأصح روايتي مالك : يقطع إذا زالت الشمس من يوم عرفة ، لما سبق في إظهارها ، ولمالك عن نافع : كان ابن عمر يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت ثم يسعى ثم يلبي حتى يغدو من منى إلى عرفة ، فإذا غدا ترك التلبية ، وكان يقطع التلبية في العمرة حين يدخل الحرم . ويقطعها المعتمر والمتمتع بشروعه في الطواف ، نص عليه ( و هـ ش ) وهو معنى قوله : إذا استلم الحجر ، فلا وجه لذكره ، خلافا لما روى الترمذي وصححه عن ابن عباس يرفع الحديث { أنه كان يمسك عن التلبية [ ص: 348 ] في العمرة إذا استلم الحجر } . وقال ابن عباس : يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر ، صحيح رواه جماعة ، ورواه أبو داود مرفوعا من رواية ابن أبي ليلى ، وهو ضعيف عند الأكثر ; ولأنه لا يتحلل قبله ، فلا يقطعها ، كما قبل محل النزاع ، وعند مالك : يقطع إذا وصل الحرم إن أحرم من الميقات ، وإن أحرم من أدنى الحل فإذا رأى البيت .

                                                                                                          وقال الخرقي : يقطعها إذا وصل البيت ، وجزم به في المستوعب وغيره ، وعن أحمد : برؤيته ، وحملا على الأول . ولا بأس بها في طواف القدوم ، قاله أحمد والأصحاب ، لما سبق ، ولإمكان الجمع ، ولا دليل للكراهة ، وحكى الشيخ عن أبي الخطاب : لا يلبي ; لأنه مشتغل بذكر يخصه ، قال ابن عيينة : ما رأينا أحدا يقتدي به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب ، وهو جديد قولي الشافعي ، والقديم : يستحب ، قال الأصحاب : لا يظهرها فيه ( و ) وفي المستوعب وغيره : لا يستحب . ومعنى كلام القاضي : يكره ، وصرح به الشيخ ، قال : لئلا يشوش على الطائفين . وفي الرعاية وجه : يسن ، والسعي بعد طواف القدوم يتوجه أن حكمه كذلك ، وهو مراد أصحابنا ; لأنه تبع له ( و ش ) ولا بأس أن يلبي الحلال ، ذكره الشيخ ( و هـ ش ) كسائر الأذكار ، ويتوجه احتمال : يكره ( و م ) لعدم نقله ، ولو صح اعتبارها بسائر الأذكار كانت مستحبة ، ويتوجه أن الكلام في أثنائها ومخاطبته حتى بسلام ورده منه كأذان ، والله [ سبحانه وتعالى ] ، أعلم .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية