الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1090 حدثنا حميد بن مسعدة البصري حدثنا بشر بن المفضل حدثنا خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل علي غداة بني بي فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات لنا يضربن بدفوفهن ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إلى أن قالت إحداهن

                                                                                                          وفينا نبي يعلم ما في غد

                                                                                                          فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اسكتي عن هذه وقولي الذي كنت تقولين قبلها
                                                                                                          قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن الربيع ) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة ( بنت معوذ ) بكسر الواو المشددة ( غداة بني ) بصيغة المجهول ( بي ) وفي رواية الشيخين : علي أي : سلمت وزففت إلى زوجي ، والبناء الدخول بالزوجة ، وبين ابن سعد أنها تزوجت حينئذ إياس بن البكير الليثي وأنها ولدت له محمد بن إياس قيل له صحبة ( كمجلسك مني ) بكسر اللام أي : مكان خطاب لمن يروي الحديث عنها ، وهو خالد بن ذكوان ، قال الحافظ في الفتح ، قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب ، أو كان قبل نزول آية الحجاب ، أو جاز النظر للحاجة ، أو عند الأمن من الفتنة . انتهى ، قال الحافظ والأخير هو المعتمد ، والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها ، وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ، ولم يكن بينهما محرمية ، ولا زوجية . انتهى كلام الحافظ واعترض القاري في المرقاة على كلام الحافظ هذا فقال : هذا غريب فإن الحديث لا دلالة فيه على كشف وجهها ، ولا على الخلوة بها ، بل ينافيها مقام الزفاف ، وكذا قولها فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف إلخ .

                                                                                                          قلت لو ثبت بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها لحصل الجواب بلا تكلف ، ولكان شافيا وكافيا ، ولكن لم يذكر الحافظ تلك الأدلة هاهنا ( وجويريات ) بالتصغير قيل المراد بهن بنات الأنصار دون المملوكات ( يضربن بدفهن ) بضم الدال ويفتح ، قيل تلك البنات لم تكن بالغات حد الشهوة ، وكان دفهن غير مصحوب بالجلاجل ( ويندبن ) بضم الدال من الندبة بضم النون ، وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه ، وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها . قوله : ( من قتل من آبائي يوم بدر ) قال الحافظ : إن الذي قتل من آبائها إنما قتل بأحد ، وآباؤها الذين شهدوا بدرا معوذ ومعاذ وعوف وأحدهم أبوها وآخران عماها أطلقت الأبوة عليهما تغليبا ، ( اسكتي عن هذه ) أي : عن هذه المقالة ، وفي رواية البخاري دعي هذه أي : اتركي ما يتعلق بمدحي الذي فيه الإطراء المنهي عنه . زاد في رواية حماد بن سلمة : لا يعلم ما في غد إلا الله . فأشار إلى علة المنع ( وقولي الذي كنت تقولين قبلها ) فيه جواز سماع المدح والمرثية مما ليس فيه مبالغة تفضي إلى الغلو ، قاله الحافظ ، قال القاري في المرقاة ، وإنما منع القائلة بقولها ، وفينا [ ص: 180 ] نبي إلخ ؛ لكراهة نسبة علم الغيب إليه ؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا الله ، وإنما يعلم الرسول من الغيب ما أخبره ، أو لكراهة أن يذكر في أثناء ضرب الدف وأثناء مرثية القتلى لعلو منصبه عن ذلك . انتهى قلت : المعتمد هو الأول لما ورد به التصريح في رواية حماد بن سلمة كما مر آنفا قوله : ( وهذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري .




                                                                                                          الخدمات العلمية