الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

تخطيط وعمارة المدن الإسلامية

خالد محمد مصطفى عزب

* المسكن

ثم باشر الرسول صلى الله عليه وسلم تحديد وظائف المدينة من الداخل، فبنى مساكنه إلى جوار المسجد، قال الكتاني في التراتيب: ثم بنى صلى الله عليه وسلم مساكنه إلى جنب المسجد باللبن، وسقفها بجذوع النخل والجريد، وكان محيطها مبنيا باللبن، وقواطعها الداخلة من الجريد المكسو [ ص: 51 ] بالطين والمسوح الصوفية، وجعل لها أبواب ونوافذ متقنة للتهوية، داعية إلى السهول في الدخول والخروج وخفة الحركة، مع وفر الزمن والسرعة إلى المقصد [1] وعن هـدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في تدبيره لأمر المسكن، يقول ابن قيم الجوزية : لما علم صلى الله عليه وسلم أنه على ظهر سير، وأن الدنيا مرحلة مسافر ينزل فيها مدة عمره، ثم ينتقل عنها إلى الآخرة، لم يكن من هـديه ولا هـدي أصحابه، ومن تبعه، الاعتناء بالمساكن وتشييدها وتعليتها وزخرفتها وتوسيعها، بل كانت من أحسن منازل المسافر، تقي الحر والبرد، وتستر عن العيون، وتمنع من ولوج الدواب، ولا يخاف سقوطها لفرط ثقلها، ولا تعشش فيها الهوام لسعتها، ولا تعتور عليها الأهوية والرياح المؤذية لارتفاعها، وليست تحت الأرض فتؤذي ساكنها، ولا في غاية الارتفاع عليه، بل وسط، وتلك أعدل المساكن وأنفعها، وأقلها حرا وبردا، ولا تضيق عن ساكنها فينحصر، ولا تفضل عنه بغير منفعة ولا فائدة فتأوي الهوام في خلوها، ولم يكن فيها كنف فتؤذي ساكنها برائحتها، بل رائحتها من أطيب الروائح، لأنه كان يحب الطيب، ولا يزال عنده، وريحه هـو من أطيب الرائحة، وعرقه من أطيب الطيب، ولم يكن في الدار [ ص: 52 ] كنيف تظهر رائحته، ولا ريب أن هـذه من أعدل المساكن وأنفعها، وأوفقها للبدن، وحفظ صحته. [2] .

وفي هـذا النص الموجز، عرض ابن القيم الشروط التي يجب توافرها في المنزل الإسلامي، مثل: البساطة، الخصوصية، التوافق مع البيئة. وهي شروط انعكست كثيرا على عمارة المنازل عبر العصور الإسلامية.

فهي لم تكن شروطا نظرية، بل دخلت حيز التطبيق، فنرى أن المنازل في صدر الإسلام، كانت تفي بالضرورات، ولا تمتد إلى الكمالات مما لا حاجة له.. أخرج البخاري في صحيحه أن ( عبد الله بن عمر رضي الله عنه ما قال: لقد رأيتني مع رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وقد بنيت بيتا بيدي يكنني من المطر، ويظلني من الشمس، وما أعانني عليه أحد من خلق الله ) [3] وكان للأصول السكانية والقبلية شأن كبير في توزيع السكان في أحياء المدينة، بحيث أن كل حي كانت تقطنه أسرة أو قبيلة، [ ص: 53 ] وكانت مسئولية توزيع الخطط في يد الرسول صلى الله عليه وسلم ، باعتباره الحاكم، وقد كان منهجه في ذلك يهدف إلى تجميع كل قبيلة في خطة خاصة بها، مع ترك حرية تقسيم الخطط للقبيلة، ووفقا لظروفها وإمكاناتها في الإنشاء والتعمير، ومدى الحاجة إلى ذلك، فكأنما روعيت النظرة المستقبلية لامتداد العمران، كما حدث في إقطاع الزبير ، وعلى هـذا الأساس سار إقطاع الخطط في المدن الإسلامية الناشئة ومن أمثلة ذلك ما حدث في البصرة (14هـ/635م) ، والكوفة (17هـ/638م) ، والفسطاط (21هـ/641م) ، والقيروان (45هـ/665م) [4] .

التالي السابق


الخدمات العلمية