الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني في أحكامه

                                                                                                                                                                        وفيه قاعدتان : إحداهما : هل عقد المسابقة لازم كالإجارة أم جائز كالجعالة ؟ قولان ، أظهرهما : الأول ، ثم قيل : القولان فيما إذا أخرجا العوض جميعا ، أما إذا أخرجه أحدهما أو غيرهما ، فجائز قطعا ، والمذهب : طرد القولين في الحالين ، قال الشيخ أبو محمد والأئمة : القولان فيمن التزم المال ، فأما من لم يلتزم شيئا ، فجائز في حقه قطعا ، وقد يكون العقد جائزا من جانب لازما من جانب ، كالرهن والكتابة ، وقيل بطردهما فيمن لم يلتزم لأنه قد يقصد بمعاقدته تعلم الفروسية والرمي فيكون كالأجير ، والمذهب يخصصهما بالملتزم ، فإن قلنا بالجواز فلكل واحد ترك العمل قبل الشروع فيه ، وكذا بعده إن لم يكن لأحدهما فضل على الآخر ، وكذا إن كان على الأصح ، لأنه عقد جائز ، وعلى هذا القول تجوز الزيادة والنقص في العمل ، وفي المال بالتراضي ، وإذا بذل أحدهما المال لا يشرط من صاحبه القبول على الصحيح ، قال الإمام : وأجرى الأصحاب هذين الوجهين في الجعالة المتعلقة بمعين ، بأن يقول : إن أردت عبدي فلك كذا ، وفي ضمان السبق قبل تمام العمل والرهن به الخلاف السابق في ضمان الجعل والرهن به قبل تمام العلم ، وقيل : إن لم يصح الضمان ، لم يصح الرهن وإلا فوجهان ، لأن الضمان أوسع بابا ، ولذلك يجوز ضمان الدرك دون الرهن به ، وأما إذا قلنا باللزوم ، فليس لأحدهما فسخ العقد دون الآخر ، فإن ظهر بالعوض المعين عيب ، ثبت حق [ ص: 362 ] الفسخ ، وليس لأحدهما أن يترك العمل إن كان مفضولا أو فاضلا وأمكن أن يدركه صاحبه ويسبقه ، وإلا فله الترك ، لأنه ترك حق نفسه ، ولا يجوز لهما الزيادة في العمل والمال ولا النقص منه إلا أن يفسخا العقد الأول ، ويستأنفا عقدا ، وإذا سبق أحدهما اشترط قبول الآخر بالقول ، ولا يكلف المسبق البداءة بتسليم المال على المذهب بخلاف الأجرة ، لأن في المسابقة خطرا ، فيبدأ بالعمل ، ويجوز ضمان السبق والرهن به على هذا القول على المذهب ، وقال القفال : قولان كضمان ما لم يجب ، وجرى سبب وجوبه ، فأما بعد الفراغ من العمل فيجوز ضمان السبق والرهن به على القولين ، وإن كان السبق عينا ، لزم المسبق تسليمها ، فإن امتنع ، أجبره الحاكم وحبسه عليه ، ولو تلفت في يده بعد الفراغ من العمل ، لزمه الضمان كالمبيع إذا تلف في يده قبل التسليم ، ولو تلفت في يده قبل العمل ، انفسخ العقد ، ولو غاب لمرض ونحوه ، فلم ينفسخ العقد ، بل ينتظر زواله .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اشترى ثوبا وعقد المسابقة بعشرة ، إن قلنا : المسابقة لازمة ، فهو جمع بيع وإجارة في صفقة وفي صحته قولان ، وإن قلنا : جائزة ، لم يصح قطعا لأنه جمع بين جعالة لا تلزم ، وبيع يلزم في صفقة ، وذلك ممتنع .

                                                                                                                                                                        القاعدة الثانية : إذا فسدت المسابقة ، وركض المتسابقان ، وسبق من لو صحت ، استحق السبق ، فالمذهب أنه يستحق أجرة المثل ، وبه قطع الأكثرون كالإجارة والقراض الفاسدين ، وقيل : لا يستحق شيئا ، لأنه لم يعمل لغيره شيئا ، وفائدة عمله تعود إليه بخلاف الإجارة والجعالة الفاسدتين ، وقيل : إن كان الفساد لخلل في العوض وأمكن تقويمه بأن كان مغصوبا ، وجبت قيمته ، وإذا قلنا بالمذهب ، ففي كيفية [ ص: 363 ] اعتبار أجرة المثل وجهان ، قال ابن سلمة : هي أجرة مثل الزمن الذي اشتغل بالرمي فيه ، وأصحهما : قول أبي إسحاق : يجب ما يتسابق بمثله في مثل تلك المسابقة غالبا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية