الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              قال الشيخ رحمه الله : واعلم أن لأولياء الله تعالى نعوتا ظاهرة ، وأعلاما شاهرة ، ينقاد لموالاتهم العقلاء والصالحون ، ويغبطهم بمنزلتهم الشهداء والنبيون . وهو ما حدثنا محمد بن جعفر بن إبراهيم ، حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، حدثنا مالك بن إسماعيل وعاصم بن علي ، قالا : حدثنا قيس بن الربيع ، حدثنا عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن عمرو بن جرير ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله عز وجل . فقال رجل : من هم وما أعمالهم ؟ لعلنا نحبهم . قال : قوم يتحابون بروح الله عز وجل من غير أرحام بينهم ، ولا أموال يتعاطونها بينهم ، والله إن وجوههم لنور ، وإنهم لعلى منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس . ثم قرأ : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .

              [ ص: 6 ] ومن نعوتهم : أنهم المورثون جلاسهم كامل الذكر ، والمفيدون خلانهم بشامل البر .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا رشدين بن سعد ، عن عبد الله بن الوليد التجيبي ، عن أبي منصور مولى الأنصار ، أنه سمع عمرو بن الجموح ، يقول : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله عز وجل : إن أوليائي من عبادي ، وأحبائي من خلقي ، الذين يذكرون بذكري ، وأذكر بذكرهم .

              حدثنا أحمد بن يعقوب المعدل ، حدثنا الحسن بن علوية ، حدثنا إسماعيل بن عيسى ، حدثنا الهياج بن بسطام ، عن مسعر بن كدام ، عن بكير بن الأخنس ، عن سعيد - رضي الله عنه - قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أولياء الله ؟ قال : " الذين إذا رؤوا ذكر الله عز وجل " .

              حدثنا جعفر بن محمد بن عمر ، وحدثنا أبو حصين القاضي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا داود العطار ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبركم بخياركم ؟ " قالوا : بلى . قال : " الذين إذا رؤوا ذكر الله عز وجل " .

              ومنها : أنهم المسلمون من الفتن الموقون من المحن : حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن القاسم بن الحجاج ، حدثنا الحكم بن موسى ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثني مسلم بن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن لله عز وجل ضنائن من عباده ، يغذيهم في رحمته ، ويحييهم في عافيته ، إذا توفاهم إلى جنته ، أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم منها في عافية " .

              ومنها : أنهم المضرورون في الأطعمة واللباس ، المبرورة أقسامهم عند النازلة والبأس .

              حدثنا أبو إسحاق بن حمزة ، حدثنا أحمد بن شعيب بن يزيد . وحدثنا إسحاق بن أحمد ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا محمد بن عزيز ، حدثنا سلامة بن روح ، حدثنا عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك قال : قال [ ص: 7 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك " . ثم إن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين . فقالوا له : يا براء إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لو أقسمت على ربك لأبرك ، فأقسم على ربك . فقال : أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ، فمنحوا أكتافهم . ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين ، فقالوا : أقسم يا براء على ربك عز وجل ، قال : أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ، وألحقتني بنبيك - صلى الله عليه وسلم - فمنحوا أكتافهم ، وقتل البراء شهيدا .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا محمد بن نصر الصائغ ، حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ، حدثنا ابن أبي حازم ، عن كثير بن يزيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رب أشعث ذي طمرين تنبو عنه أعين الناس ، لو أقسم على الله عز وجل لأبره " .

              قال الشيخ رحمه الله تعالى : ومنها : أن ليقينهم تنفلق الصخور ، وبيمينهم تنفتق البحور : حدثنا سهل بن عبد الله التستري ، حدثنا الحسين بن إسحاق ، حدثنا داود بن رشيد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن حنش الصنعاني ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه قرأ في أذن مبتلى فأفاق ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما قرأت في أذنه ؟ قال : قرأت : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ) حتى ختم السورة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال " .

              حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا محمد بن يزيد الكوفي ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا الصلت بن مطر ، عن قدامة بن حماظة ابن أخت سهم بن منجاب ، قال : سمعت سهم بن منجاب قال : غزونا مع العلاء بن الحضرمي ، فسرنا حتى أتينا دارين والبحر بيننا وبينهم ، فقال : يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم ، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك ، اللهم [ ص: 8 ] فاجعل لنا إليهم سبيلا . فتقحم بنا البحر ، فخضنا ما يبلغ لبودنا الماء ، فخرجنا إليهم .

              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم والوليد بن شجاع ، قالا : حدثنا عبد الله بن بكر ، عن حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب ، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : لقد رأيت في العلاء بن الحضرمي رضي الله تعالى عنه ثلاث خصال ، ما منهن خصلة إلا وهي أعجب من صاحبتها : انطلقنا نسير حتى قدمنا البحرين ، وأقبلنا نسير حتى كنا على شط البحر ، فقال العلاء : سيروا ، فأتى البحر فضرب دابته ، فسار وسرنا معه ما يجاوز ركب دوابنا ، فلما رآنا ابن مكعبر عامل كسرى ، قال : لا والله لا نقابل هؤلاء ، ثم قعد في سفينة فلحق بفارس .

              قال الشيخ رحمه الله : ومنها أنهم سباق الأمم والقرون ، وبإخلاصهم يمطرون وينصرون .

              حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا يحيى بن أيوب ، عن ابن عجلان ، عن عياض بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لكل قرن من أمتي سابقون " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن الخزر الطبراني ، حدثنا سعيد بن أبي زيد ، حدثنا عبد الله بن هارون الصوري ، حدثنا الأوزاعي ، عن الزهري ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " خيار أمتي في كل قرن خمسمائة ، والأبدال أربعون ، فلا الخمسمائة ينقصون ، ولا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه ، وأدخل من الأربعين مكانهم " قالوا : يا رسول الله دلنا على أعمالهم . قال : " يعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويتواسون فيما آتاهم الله عز وجل " .

              حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا محمد بن السري القنطري ، حدثنا قيس بن إبراهيم بن قيس السامري ، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى الأرمني ، حدثنا عثمان بن عمارة ، حدثنا المعافى بن عمران ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله [ ص: 9 ] - صلى الله عليه وسلم - : " إن لله عز وجل في الخلق ثلاثمائة ، قلوبهم على قلب آدم - عليه السلام - ، ولله تعالى في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى - عليه السلام - ، ولله تعالى في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم - عليه السلام - ، ولله تعالى في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل - عليه السلام - ، ولله تعالى في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل - عليه السلام - ، ولله تعالى في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل - عليه السلام - ، فإذا مات الواحد أبدل الله عز وجل مكانه من الثلاثة ، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة ، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة ، وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين ، وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة ، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة . فبهم يحيي ويميت ، ويمطر وينبت ويدفع البلاء " قيل لعبد الله بن مسعود : كيف بهم يحيي ويميت . قال : لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون ، ويدعون على الجبابرة فيقصمون ، ويستسقون فيسقون ، ويسألون فتنبت لهم الأرض ، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء .

              حدثنا محمد أبو عمرو بن حمدان ، حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا عبد الوهاب بن الضحاك ، حدثنا ابن عباس ، حدثنا صفوان بن عمرو ، عن خالد بن معدان ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا حذيفة ، إن في كل طائفة من أمتي قوما شعثا غبرا ، إياي يريدون ، وإياي يتبعون ، وكتاب الله يقيمون ، أولئك مني وأنا منهم وإن لم يروني " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا بكر بن سهل ، حدثنا عمرو بن هاشم ، حدثنا سليمان بن أبي كريمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سأل عني- أو سره أن ينظر إلي - فلينظر إلى أشعث شاحب مشمر ، لم يضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة ، رفع له علم فشمر إليه ، اليوم المضمار وغدا السباق ، والغاية الجنة أو النار " .

              قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله : ومنها أنهم نظروا إلى باطن العاجلة [ ص: 10 ] فرفضوها ، وإلى ظاهر بهجتها وزينتها فوضعوها .

              حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثني غوث بن جابر ، قال : سمعت محمد بن داود يحدث عن أبيه ، عن وهب بن منبه ، قال : قال الحواريون : يا عيسى ، من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟ قال عيسى - عليه السلام - : الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها ، والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها ، فأماتوا منها ما يخشون أن يشينهم ، وتركوا ما علموا أن سيتركهم ، فصار استكثارهم منها استقلالا ، وذكرهم إياها فواتا ، وفرحهم بما أصابوا منها حزنا ، فما عارضهم من نيلها رفضوه ، وما عارضهم من رفعتها بغير الحق وضعوه ، وخلقت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها ، وخربت بيوتهم فليسوا يعمرونها ، وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها بعد موتها ، بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم ، ورفضوها فكانوا هم الفرحين ، ونظروا إلى أهلها صرعى قد حلت بهم المثلات ، وأحيوا ذكر الموت ، وأماتوا ذكر الحياة ، يحبون الله عز وجل ، ويحبون ذكره ، ويستضيئون بنوره ، ويضيئون به ، لهم خير عجيب ، وعندهم الخبر العجيب ، بهم قام الكتاب وبه قاموا ، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا ، وبهم علم الكتاب وبه عملوا ، وليسوا يرون نائلا مع ما نالوا ، ولا أمانا دون ما يرجون ، ولا خوفا دون ما يحذرون .

              قال الشيخ رحمه الله تعالى : وهم المصونون عن مرامقة حقارة الدنيا بعين الاغترار ، المبصرون صنع محبوبهم بالفكر والاعتبار .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني سفيان بن وكيع ، حدثنا إبراهيم بن عيينة ، عن ورقاء ، قال الشيخ أبو نعيم : والصواب وفاء بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : لما بعث الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون ، قال : لا يغرنكما لباسه الذي ألبسته ، فإن ناصيته بيدي فلا ينطق ولا يطرف إلا بإذني ، ولا يغرنكما [ ص: 11 ] ما متع به من زهرة الدنيا وزينة المترفين ، فلو شئت أن أزينكما من زينة الدنيا بشيء يعرف فرعون أن قدرته تعجز عن ذلك لفعلت ، وليس ذلك لهوانكما علي ، ولكني ألبستكما نصيبكما من الكرامة على ألا تنقصكما الدنيا شيئا ، وإني لأذود أوليائي عن الدنيا كما يذود الراعي إبله عن مبارك العرة ، وإني لأجنبهم زهرتها كما يجنب الراعي إبله عن مراتع الهلكة ، أريد أن أنور بذلك مراتبهم ، وأطهر بذلك قلوبهم ، وفي سيماهم الذي يعرفون به ، وأمرهم الذي يفتخرون به .

              واعلم أنه من أخاف وليا فقد بارزني بالعداوة ، وأنا الثائر لأوليائي يوم القيامة .

              حدثنا أحمد بن السري ، حدثنا الحسن بن علوية القطان ، حدثنا إسماعيل بن عيسى ، حدثنا إسحاق بن بشر ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - .

              وحدثنا أبي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن سهل بن عسكر ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، حدثنا عبد الصمد بن معقل ، قال : سمعت وهب بن منبه ، يقول : لما بعث الله تعالى موسى وأخاه هارون عليهما السلام إلى فرعون قال : لا يعجبنكما زينته ولا ما متع به ، ولا تمدا أعينكما إلى ذلك ، فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين ، فإني لو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما لفعلت ، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما ، وكذلك أفعل بأوليائي ، وقديما ما خرت لهم في ذلك ، فإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة ، وإني لأجنبهم سلوتها وعيشتها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك العرة ، وما ذلك لهوانهم علي ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفورا لم تكلمه الدنيا ولم يطغه الهوى . واعلم أنه لم يتزين العباد بزينة أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا ، فإنها زينة المتقين ، عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، أولئك هم أوليائي حقا حقا ، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك ، وذلل لهم قلبك ولسانك . واعلم أنه من أهان لي وليا أو [ ص: 12 ] أخافه فقد بارزني بالمحاربة وبادأني ، وعرض لي نفسه ودعاني إليها ، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي ، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي ؟ أويظن الذي يعاديني أن يعجزني ؟ أويظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني ؟ فكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أكل نصرتهم إلى غيري .

              زاد إسماعيل بن عيسى في حديثه : فاعلم يا موسى أن أوليائي الذين أشعروا قلوبهم خوفي ، فيظهر على أجسادهم في لباسهم وجهدهم الذي يفوزون به يوم القيامة ، وأملهم الذي به يذكرون ، وسيماهم الذي به يعرفون ، فإذا لقيتهم فذلل لهم نفسك .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية