الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 11 ] باب ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، وعن نبهاء العلماء، في فضل القرآن المجيد وصورة الاعتصام به

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم، قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله تعالى، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو فصل ليس بالهزل، من تركه تجبرا قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، من علم علمه سبق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم .

قال أنس بن مالك في تفسير قوله تعالى: فقد استمسك بالعروة الوثقى [البقرة: 256، لقمان: 22]. قال: هي القرآن.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد علم الأولين [ ص: 12 ] والآخرين فليثور القرآن .

وقال عليه السلام: اتلوا هذا القرآن؛ فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات، أما إني لا أقول «الم» حرف، ولكن الألف حرف، واللام حرف، والميم حرف .

وروي عنه عليه السلام أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض: أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، إنه لن تعمى أبصاركم، ولن تضل قلوبكم، ولن تزل أقدامكم، ولن تقصر أيديكم، كتاب الله سبب بينكم وبينه، طرفه بيده، وطرفه بأيديكم، فاعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، ألا وعترتي، وأهل بيتي، هو الثقل الآخر، فلا تسبعوهم فتهلكوا .

وقيل لجعفر بن محمد الصادق: لم صار الشعر والخطب يمل ما أعيد منها، والقرآن لا يمل؟ فقال:

لأن القرآن حجة على أهل الدهر الثاني، كما هو حجة على أهل الدهر الأول، فكل طائفة تتلقاه غضا جديدا، ولأن كل امرئ في نفسه متى أعاده وفكر فيه [ ص: 13 ] تلقى منه في كل مرة علوما غضة، وليس هذا كله في الشعر والخطب.

وقيل لمحمد بن سعيد: ما هذا الترديد للقصص في القرآن؟ فقال: ليكون لمن قرأ ما تيسر منه حظ في الاعتبار.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله .

وقال عليه السلام: ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن، لا نبي ولا ملك .

وقال عليه السلام: أفضل عبادة أمتي القرآن .

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: «من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه».

وحدث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن .

[ ص: 14 ] وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أشراف أمتي حملة القرآن .

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا [فاطر: 32]. فقال: «سابقكم سابق، ومقتصدكم ناج، وظالمكم مغفور له».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن أصفر البيوت بيت صفر من كتاب الله».

وروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القرآن شافع، مشفع، وماحل مصدق، من شفع له القرآن نجا، ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار، وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته، وأولى من محل به من عدل عنه وضيعه».

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الذي يتعاهد هذا القرآن ويشتد عليه له أجران، والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة».

وقال ابن مسعود: مل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا: يا رسول الله، حدثنا، فأنزل الله تعالى: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم الآية. [الزمر: 23]. [ ص: 15 ] ثم ملوا ملة أخرى، فقالوا: قص علينا يا رسول الله، فأنزل الله تعالى: نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن [يوسف: 3].

وروى عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه».

وقال عبد الله بن مسعود: «إن كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه، وإن أدب الله القرآن».

ومر أعرابي على عبد الله بن مسعود وعنده قوم يقرءون القرآن، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقال له ابن مسعود: يقتسمون ميراث محمد صلى الله عليه وسلم.

ومرت امرأة على عيسى ابن مريم عليه السلام فقال: طوبى لبطن حملك، ولثديين رضعت منهما، فقال عيسى: طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبع ما فيه.

وقال محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى: ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان [آل عمران: 193] قال: هو القرآن، ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال بعض العلماء في تفسير قوله تعالى: قل بفضل الله وبرحمته [يونس: 58] قال: «الإسلام والقرآن».

[ ص: 16 ] وقيل لعبد الله بن مسعود: إنك لتقل الصوم؟ فقال: «إنه يشغلني عن قراءة القرآن، وقراءة القرآن أحب إلي منه».

وقال قوم من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: «ألم تر يا رسول الله ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح؟ فقال لهم: فلعله قرأ سورة البقرة، فسئل ثابت بن قيس، فقال: نعم قرأت سورة البقرة». وفي هذا المعنى حديث صحيح عن أسيد بن حضير في تنزل الملائكة في الظلة لصوته بقراءة سورة البقرة.

وذكر أبو عمرو الداني عن علي الأثرم قال: كنت أتكلم في الكسائي [ ص: 17 ] وأقع فيه، فرأيته في النوم وعليه ثياب بيض ووجهه كالقمر فقلت: يا أبا الحسن، ما فعل الله بك؟ فقال: «غفر لي بالقرآن».

وقال عقبة بن عامر: «عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: عليكم بالقرآن».

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ويخزن الفعل، ويرفع الأشرار، ويوضع الأخيار، وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير، قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله، قيل له: فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما أخذتموه عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه، وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون، وكفى به واعظا لمن عقل.

وقال رجل لأبي الدرداء: إن إخوانا لك من أهل الكوفة يقرئونك السلام ويأمرونك أن توصيهم، فقال: أقرئهم السلام، ومرهم فليعطوا القرآن خزائمهم؛ [ ص: 18 ] فإنه يحملهم على القصد والسهولة، ويجنبهم الجور والحزونة.

وقال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني، فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك؛ فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه.

وروى أبو هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن، فقال: «الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى».

وقال عليه السلام: «اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه».

ويروى أن أهل اليمن لما قدموا أيام أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- سمعوا القرآن فجعلوا يبكون. فقال أبو بكر: «هكذا كنا، ثم قست القلوب».

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة: إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع [الطور: 7] فأن أنة عيد منها عشرين يوما. وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل، وجعلتم الليل جملا تركبونه، فتقطعون به المراحل، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار.

وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: «أنزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملا، إن أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا وقد أسقط العمل به».

[ ص: 19 ] قال القاضي عبد الحق رضي الله عنه: قال الله تعالى: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [القمر: 17 - 22، 32 - 40].

وقال تعالى: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [المزمل: 5] أي: علم معانيه، والعمل به، والقيام بحقوقه ثقيل، فمال الناس إلى الميسر، وتركوا الثقيل، وهو المطلوب منهم.

وقيل ليوسف بن أسباط: بأي شيء تدعو إذا ختمت القرآن؟ قال: «أستغفر الله من تلاوتي؛ لأني إذا ختمته وتذكرت ما فيه من الأعمال خشيت المقت فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح».

وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء، قال: فلما ختمته أردت الرجوع من أوله فقال لي: اتخذت القراءة علي عملا. اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه فاعمل به.

التالي السابق


الخدمات العلمية